إن الإعلام المسؤول يهدف إلى تعميق الولاء والانتماء للوطن ونظامه وقيادته، وترسيخ حب الوطن ووحدة صفوفه في نفوس المواطنين والأجيال الناشئة، وخدمة السياسات والمصالح العليا المُعززة للأمن والسلم والاستقرار..
إذا كانت المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والتنموية والتقنية والأمنية والعسكرية والرياضية والثقافية وسائل رئيسة لخدمة السياسة العامة للدولة على جميع المستويات الداخلية والخارجية، فإن الإعلام يعتبر أحد هذه الوسائل الرئيسة، ومن أكثرها أهمية ومركزية ورمزية، لخدمة السياسة العامة للدولة. وهذا القول، أو هذا التصنيف، تتفق عليه جميع الدول، أياً كان شكل ونوع نظامها السياسي، أو أياً كانت أيديولوجيتها السياسية والفكرية والثقافية، أو أياً كان إرثها الحضاري والإنساني، أو أياً كان حجهما إو موقعها الجغرافي، أو أياً كانت الفروقات والاختلافات، أو أياً كانت الادعاءات غير الصحيحة القائلة بعدم توظيف أية وسيلة من هذه الوسائل من قبل أي نظام سياسي. وإذا كانت جميع دول العالم، وبدون استثناءات، توظف وسائلها وأدواتها لخدمة سياساتها العامة، فإن الدول جميعها اتفقت على أن هذه الوسائل تتدرج بأهميتها ومركزيتها بحسب قوتها وقدرتها على خدمة السياسة العامة للدولة وخاصة في المجالات والجوانب التي يتعزز فيها السلم الاجتماعي والأمن الوطني والاستقرار السياسي. وإذا نظرنا لهذا التدرج في أهمية الوسائل التي تملكها الدول لخدمة سياساتها العامة، فإننا نجد الإعلام أو الوسيلة الإعلامية تحظى بأهمية عليا في جميع الدول للدرجة التي تجعلها في مكانة عليا، كما لو أنها وسيلة سياسية أو أمنية أو عسكرية، وذلك لقدرتها على الوصول السريع للرأي العام على مختلف مستوياته، والتأثير المباشر بتوجهاته إما سلباً أو إيجاباً، وترسيخ الأفكار في عقول المتلقين، وتسويق الشعارات البناءة أو الهدامة في الفضاء الواسع. وإذا كانت الدول، وبدون استثناءات، مُنذُ عهدها الأول وعلى امتداد العصور والقرون السابقة والحاضرة تهتم اهتماماً شديداً بالإعلام وتحرص على امتلاكه وتوجيهه توجيهاً كاملاً، فإن هذه الدول في وقتنا الراهن، وبدون استثناءات صعدت من اهتمامها بالإعلام خاصة عندما تعددت وتطورت أدواته ووسائله، استجابة للتقدم العظيم في المجالات التقنية والتكنولوجية، سعياً منها على توظيفه بما يخدم سياساتها العامة، وحرصاً على عدم توظيفه واستغلاله من قبل أعدائها لتفتيت صفوفها الداخلية، وهدم سلمها الاجتماعي، وزعزعة استقرارها السياسي. وانطلاقاً من هذه الرؤية العميقة لأهمية ومركزية الإعلام، ولتعدد وسائل الاتصال ونقل المعلومات في وقتنا الراهن، تسعى الدول وبدون استثناءات، لزيادة سيطرتها على وسائل الإعلام، وتحرص على توجيهها نحو الالتزام بقيم ومبادئ المجتمع الذي تعمل فيه وتبث من داخلة، وتعمل على وضع الأنظمة والقوانين الصارمة والضَّامنة لالتزام جميع وسائل الإعلام المتعددة، والعاملة على أرضها، بسياسة وتوجهات الدولة والمجتمع وقيمه العليا. فإذا كانت هذه هي الأُسس التي تعمل عليها الدول في نظرتها وتعاملها مع الإعلام، أو مع وسائل الإعلام على مختلف مُسمياتها، فإنها ستحرص حرصاً شديداً على أن تكون الرسالة الإعلامية المنطلقة من أرضها ملتزمة التزاماً كاملاً بالسياسة العامة للدولة وبما أصدرته من أنظمة وقوانين ولوائح، ومُعززة لقيم ومبادئ وعادات وتقاليد المجتمع الذي تتواجد فيه وتبث رسالتها من داخله، وخادمة للسياسات والمصالح العليا للدولة بترسيخها لقيم الولاء للنظام السياسي، والانتماء للدولة، وبناء وحدة اجتماعية قوية ومتماسكة. فإذا كانت هذه هي الأسس التي تحرص الدول على تبينها وتعمل عليها إعلامياً خدمةً لسياساتها العليا والعامة، فلماذا نجد بعضاً من الطروحات الإعلامية تبتعد عن رسالتها المفترضة بحسب التصريح الممنوح لها نظاماً وقانوناً والهادف في أصله إلى تعزيز قيم ومبادئ ومصالح الوطن، إلى تسويق طروحات وأفكار وتساؤلات هدفها الإثارة الإعلامية حتى وإن كانت تتعارض تماماً مع قيم ومبادئ وتوجهات ووحدة المجتمع؟
إن طرح هذا التساؤل العريض نابع من الواقع الإعلامي المُشاهد في مختلف المجتمعات وما يتم طرحه وتداوله من أفكار وتوجهات. نعم، ففي الوقت الذي تجد الإعلام، بوسائله المُختلفة والمُتعددة والمتنوعة، في بعض المجتمعات يلتزم التزاماً تاماً بقيم ومبادئ وتوجهات المجتمع الذي يعمل فيه، ويتحمل في سبيل ذلك المسؤولية القانونية والنظامية والأخلاقية، فإن في مقابل ذلك تجد الإعلام في مجتمعات أخرى يبتعد كثيراً عن قيم ومبادئ وتوجهات المجتمع ليقترب كثيراً من الطروحات الإعلامية العاطفية الهادفة لإثارة الرأي العام تجاه أية قضية من القضايا حتى وإن كانت تتعارض مع قيم ومبادئ وتوجهات ومصالح المجتمع الذي يقيم فوق أراضيه. إن هذه المقاربة القائمة في المجتمعات الموضحة لمدى الالتزام والانضباط الإعلامي من عدمه توضح أن هناك إعلاماً مسؤولاً في مقابل وجود إعلام إثارة. وبهذا الطرح المباشر، فإنه يمكننا التفريق بين هذين النوعين من الإعلام: الإعلام المسؤول، وإعلام الإثارة. فإذا ابتدأنا بالإعلام المسؤول، فإننا نعني بذلك الإعلام المُلتزم بقيم ومبادئ وتوجهات وأنظمة وقوانين المجتمع الذي يعمل فيه، والحريص على تعزيز وحدة الصف والسلم الاجتماعي والهوية الوطنية الجامعة، والهادف لتعزيز الولاء الكامل وروح الانتماء للنظام السياسي والوطن وقيادته، والسَّاعي لترسيخ حب الوطن لدى فئات المجتمع وأجياله الناشئة. نعم، إن الإعلام المسؤول يقوم على أسس ومبادئ رصينة عمادها الرئيس خدمة الدولة والمجتمع الذي تعمل فيه على جميع المستويات، وغايتها تعزيز وحدة صف المجتمع، وقوة نظامه السياسي، ومكانة الدولة على جميع المستويات الداخلية والخارجية. أما إن أتينا على إعلام الإثارة، فإننا نعني بذلك الإعلام الحريص بشكل أساسي على زيادة حجم المشاهدات الشعبية بأية طريقة كانت، سواءً مشروعة أو غير مشروعة، هادفة أو غير هادفة، أخلاقية أو غير أخلاقية، وذلك بطرح تساؤلات ذات حساسية دينية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو أمنية، واستخدام شعارات عاطفية ذات صبغة دينية أو اجتماعية أو سياسية أو أمنية للتأثير على مشاعر وتوجهات وأفكار الرأي العام وسوقه للأهداف المبتغاة والمرسومة والمخطط لها. نعم، إن إعلام الإثارة يهدف لخدمة أهدافه الخاصة حتى وإن كانت على حساب وحدة الصف والسلم الاجتماعي، ويسعى حثيثاً لتعزيز تواجده الدائم على المستويات الشعبية حتى وإن أدى ذلك لإحراج النظام السياسي وتراجع مكانة الدولة بين الأمم. فإذا أدركنا حجم هذه الفروقات بين الإعلام المسؤول وإعلام الإثارة، فإننا ندرك مدى أهمية الإعلام المسؤول مما يدفعنا لتعزيز مكانته والرفع من قيمته وشأنه، بينما في المقابل ندرك خطورة إعلام الإثارة والتهديدات الظاهرة والباطنة التي يعمل على بثها وخدمتها وترسيخها في قلوب وعقول أبناء المجتمع وأجياله الناشئة.
وفي الختام، من الأهمية القول إن الإعلام المسؤول يهدف إلى تعميق الولاء والانتماء للوطن ونظامه وقيادته، وترسيخ حب الوطن ووحدة صفوفه في نفوس المواطنين والأجيال الناشئة، وخدمة السياسات والمصالح العليا المُعززة للأمن والسلم والاستقرار، والتعريف بالمنجزات الوطنية العظيمة، ومحاربة وفضح التوجهات والأفكار المتطرفة والإرهابية، والدفاع عن الوطن بحكمة وعقلانية ولغة رصينة؛ وهذا الإعلام هو الذي تسعى وتحرص عليه الدول حرصاً شديداً وتعمل على بنائه ودعمه. نعم، إن الإعلام المسؤول الهادف للبناء يتناقض تناقضاً تاماً مع إعلام الإثارة الذي يهدف لإشعال الفتنة الداخلية، وتفتيت وحدة صف المُجتمع، والسَّاعي للتشكيك بالمنجزات الوطنية، والهادف لتأليب وتحريض الرأي العام على وطنه، وفصل أفراده عن أرضهم ومجتمعهم. فإذا عرفت المجتمعات هذه الحقائق عن أهمية الإعلام ورسالته، فإنها أمام مسؤولية عظيمة لتعزيز مكانة الإعلام المسؤول والبناء، والعمل على تحجيم إعلام الإثارة حتى القضاء على أدواته ووسائله المُتطرفة والهدامة.




http://www.alriyadh.com/2063232]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]