يقول المفكر والفنان التشكيلي اللبناني الراحل أمين الباشا: "الفن هو رفض الفوضى، وهو السبيل الذي يوصل إلى الوضوح، ونحن أحوج ما نكون إليه لترتيب حياتنا لنصل إلى مجتمع قادر على أن يفرّق ما بين الجمال والبشاعة، وأن يبعدنا عن الرداءة وهي اليوم في كل ما نراه ونسمعه، الشاشات التلفزيونية العربية تعمل ليلاً نهارًا لنشر قلة الذوق والتشجيع على الابتعاد عن الفن الراقي والأدب والعلم، أي عن الثقافة، التي دونها لن يصل المشاهد إلى ما يستأهل أن يصل إليه من علم وحب للجمال ورفض الرديء والسطحي".
بعد هذه التوطئة نقول إن المسلسل التلفزيوني خلال شهر رمضان يسيطر على كل مظاهر الترفيه خلاله.. مئات الأعمال وبتكلفة إنتاجية عالية تتزاحم خلاله.. هناك من بينها من يعرف مستويات درامية عالية القيمة على مستوى فني وتقني.. والأكثر بقالب تجاري مقزز كثير منه يهدف الى الإضحاك السامج أو الدراما غير اللائقة.. وبين هذا وذاك أن دفعها جميعاً خلال رمضان.. قد أحدث خللاً درامياً انعكس على المشاهد الذي ارتبك من كثرة ما يعرض خلال فترة وجيزة فحار بين الغث والسمين.
لنعترف أننا وخلال رمضان موعودون بمواجهة الابتذال المسلسلاتي المسيطر ولن نبحث من زاوية التأثير في سلوكيات المشاهدين ونظرتهم للحياة، بل نحدد وجهتنا بالهبوط الحواري والإسفاف خاصة فيما يذهب إلى الكوميديا ويبدو أن مثل ذلك أصبح بضاعة رائجة لأن المستوى قد هبط وسقط، والأمر ليس مادياً أو في ندرة وجود الممثلين والكتّاب والمخرجين الكفؤ لكن بسبب التنافس على الإنتاج بطريقة تجارية جعلت من الكم أهم من الكيف ولنا في الشأن الكوميدي الخليجي مثلا حاضرا بسقوط المعنى وسيطرة التافه.
هذا ما يحدث ليكون المسلسل جزءًا بسيطًا من تكوين إعلاني ممل ينسيك من طوله وتكراره ما شاهدته قبله، مع سيطرة المنتجين السماسرة الذي يبحثون عن الربح السريع ولا شيء غيره، جعل الرديء يسيطر عبر مسلسلات تنتج في أيام وتدفع إلى حلق رمضان.. وكأن الإضحاك المبتذل كما في المسلسلات العربية المليئة بالاستهبال الممل كوسيلة لكسب المشاهدين.. ناهيك عن أن كثيراً منها معنية بألفاظ وتعليقات غير لائقة و"تمطيط" غير مقبول.
جانب مهم في إشكاليات المسلسلات هي أن المشاهدين أصبحوا مكبلين بالتكرار متحملين الملل الدرامي الذي تفرضه قسراً في كل رمضان من كل عام، وبناء على هذه الرؤية فإننا نتطلع إلى أعمال درامية تطرح قضايا وأفكاراً جديدة، وتعالج التحولات والتطورات القائمة، وتخلو من التكرار، وتتجنب الحديث عن الحالات والقضايا التي لم يعد لها وجود، وتكون على مستوى متقدم من الجودة والأصالة والإبداع.
نشدد على ذلك لأن التلفزيون وفي رمضان خاصة يتبوأ مكانة مهمة مؤثرة، لها ارتباط بالسلوك والتعامل والتعبير عن ثقافة المجتمع ونقده.. لنؤكد حاجتنا إلى مبادرة درامية وطنية تستطيع أن تصنع الفارق نحو العمل التلفزيوني الراقي المقنع بعدما طغى التهريج المعنون بالتفاهة.. نحتاج آلية جديدة لتقييم الاعمال التلفزيونية لا يحكمها اسم الممثل او المنتج، بل ماهية العمل المقدم.. تقبل الله منّا ومنكم.




http://www.alriyadh.com/2063667]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]