أربعة أزرة وياقة طويلة، وكم «مخبون» من تحت الكتف قليلاً. هذه هي موضة الثوب السعودي في السبعينيات الميلادية التسعينيات الهجرية، والعهدة كما يقال في هذه المعلومة على سعد بن عبدالله الأنصاري الذي لم يكتف بالمعلومة بل طبقها على ثوبه الذي ارتداه.
سعد الأنصاري نموذج للشاب الذي اختار الأدب والثقافة والتاريخ الاجتماعي بما فيه من معلومة أدبية وفنية وتراثية وزي يمثل جيلا بعينه وأسماء عديدة لأوائل من كان لهم السبق في ميادين عدة في تاريخنا الاجتماعي السعودي.
وحتى لا أحمّل سعد العهدة عن المعلومة الواردة في أول المقال، فإنني أشاركه مسؤولية نقل المعلومة المرتبط بالثوب المخبون كمه من الأعلى، والخبنه تعني طي كم اليد وخياطته، وإذا كنا قد اعتبرنا أن هذه الخبنة نوعا من أنواع التصميم فهي فالحقيقة لم تكن تحمل أي معنى من معاني التصميم الجمالي كما نتصور وإنما هي فكرة ولدتها الحاجة.
كانت هذه الفكرة المبتكرة التي لا أعلم ويظهر لي أنه حتى سعد لا يعلم من ابتكرها وليدة حالة اجتماعية مرتبطة بالاقتصاد الاجتماعي بشكل مباشر، فالثوب الذي لبسه سعد في عام 2024 ليربطه بذكرى اجتماعية لم يعشها ولكنه أغرم بها سيكون مصيره فيما لو كان لبسه أحد شباب أو أطفال عام 1970م أو قريب منه؛ أن تفك الخبنة بعد سنة أو حدودها حتى يتوافق مع طول اليدين فالوضع الاقتصادي للأسر لم يكن يسمح بالمزيد من اللباس مع كل طول تطوله يدين الإنسان.
اللباس ليس مجرد قماش يستر الجسد ويتزين به الإنسان بل هو مؤشر على حياة ووضع اقتصادي وحتى الأفكار قد يجد المدقق علامات تشير إلى نمط فكري أو ذائقة تشير إلى منطقة ربما أو جيل بعينه من خلال اللباس.
سعد الأنصاري الكاتب في جريدة الرياض والباحث في التاريخ الاجتماعي يضعنا بين وقت ووقت أمام شكل من أشكال الحياة التي عاشتها أجيال سعودية، وينقل لنا تفاصيل متنوعة عن تاريخ اجتماعي يثير في دواخلنا الحنين لتاريخنا الذي لم يكتب إلا قليلا من كثيرة. تاريخنا الاجتماعي المليء بالجمال والأصالة وتفاصيل حياة لم تكن شبيهة بهذه الحياة التي نعيشها، فالناس عاشوا في كفاف ومعيشة بسيطة وأدوات يمكن أن تعد على أصابع اليدين؛ بين أدوات زراعة ورعي ومستلزمات بيوت بسيطة في بنائها وتكوينها.
الحنين الذي حركه سعد وثوبه المستل من حياة الأجداد والأحفاد جدير أن يُلتفت إليه، وأن يُلتفت إلى سعد الأنصاري الشاب المجتهد في البحث وربط الحاضر بالماضي، وأن يستفاد من حماسه والمعلومات الغزيرة التي يمتلكها ويسعى إلى جعلها حقيقة تتجسد أمام الأنظار تربطنا بثقافتنا وتاريخنا والاجتماعي، وبثوب سعد الذي كان ثوبا لجيل كامل تواجد في حدود العام 1970م وعاش الفرحة نفسها بهذا الثوب المخبون الذي عاشه سعد في العام 2024م.




http://www.alriyadh.com/2063835]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]