يُعد البحر الأحمر، أحد أكثر ممرات الشحن كثافة في العالم، وفي الشمال منه تقع قناة السويس وهي أهم ممر مائي يربط أوروبا بآسيا وشرق إفريقيا. وفي الطرف الجنوبي منه يوجد مضيق باب المندب وهو الممر الذي يستهدفه الحوثيون منذ منتصف نوفمبر 2023. ويشن هؤلاء هجماتهم على السفن التجارية العابرة للبحر الأحمر باسم نصرة غزة، ولكن التوقيت والآثار المترتبة تثير الكثير من الأسئلة. أولًا: من الخاسر ومن الرابح من هذه الأعمال؟ وسيظل السؤال قائمًا حَسَبَ محللين عالميين في ضوء حقيقة أن ما يقرب من 30 % من شحن الحاويات العالمية يمر عبر قناة السويس (البحر الأحمر) الذي يشكل أيضًا 15 % من حركة التجارة والبضائع العالمية التي يتجه معظمها إلى آسيا. ومن أهم حمولات هذه السفن السلع اليومية التي تحتاجها شعوب دول شرق أفريقيا مثل إثيوبيا والصومال وكينيا المعتمدين بشكل كبير على واردات القمح من الاتحاد الأوروبي وروسيا وأوكرانيا، التي تمر في معظمها عبر قناة السويس.
ويأتي سؤال آخر عن المستفيد من رفع أسعار البضائع والتأمين على السفن العابرة للبحر الأحمر مع تكرار الهجمات الحوثية؟ ففي حين كانت معدلات التأمين عادة حوالي 0.6 في المئة من قيمة الشحنة قبل الأزمة، فإنها تصل الآن إلى ما يزيد على 2 %. كما قفزت أسعار الشحن من شمال آسيا إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة بنسبة 137 % لتصل إلى 5100 دولار للحاوية، وأيضًا قفزت أسعار الشحن من شمال آسيا إلى الساحل الغربي بنسبة 131 % لتصل إلى 3700 دولار. وتظهر هنا الصين بين أكبر المتضررين من هذا الوضع المضطرب في البحر الأحمر، حيث تضاعفت تكاليف شحن الحاوية إلى أوروبا إلى نحو 7000 دولار من 3000 دولار في ديسمبر 2023 مما يشكل تهديدًا كبيرًا لاقتصاد بكين القائم على التصدير.
أما المتضرر الأكبر في المنطقة فهي مصر (لا إسرائيل) حيث انخفضت إيرادات قناة السويس بنسبة تكاد تصل إلى 50 % منذ بداية 2024 مقارنة بعام 2023، وهذا الوضع سيكون له آثار اقتصادية شديدة الخَطَر وضاغطة على الاقتصاد والوضع المالي في مصر، حيث تعد قناة السويس مصدرًا مهما للعملة الأجنبية للبلاد.
ومما يثير الأسئلة أيضًا هو جدوى (غاية) تحالف "حارس الرخاء" الذي شكلته وتقوده الولايات المتحدة بهدف حماية حركة المرور التجارية في البحر الأحمر من هجمات الحوثيين. هذا التحالف لم يستطع (لا يبدو جادا) حتى الآن تأمين سلاسل إمدادات الطاقة والتجارة والطرق البحرية عبر البحر الأحمر وهو وضع قد يغري خصوم الغرب بجعل نقطة الاشتعال (المساومات) التالية في مضيق هرمز الذي يتم عبره نقل حوالي 30 مليون برميل من النفط يوميًا تتجه في معظمها إلى دول آسيا. ويعزز هذا التصور أن الولايات المتحدة ربما لن (لم) تحرص على تأمين حركة مرور النفط إلى موانئ المنافسين إلا بعد حساب المكاسب والصفقات.
الخلاصة أن الأحداث العالمية حبلى بالمفاجآت والتقديم والتأجيل وتردد الحكومات في قراراتها، وبعضها قد يحتاج إلى نصر خاصة وأن عام 2024 سيكون فارقا في حياة كثير من الشعوب والحكومات إذ من المقرر (أو من المتوقع) إجراء انتخابات وطنية في 64 دولة في الأقل، وعلى رأس أولئك الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وكذلك روسيا والهند.

قال ومضى:
إذا واصلت إطعام "وحش الحقد" في داخلك بالمزيد من "الأبرياء" فستكون "أنت" وجبته الأخيرة.




http://www.alriyadh.com/2065424]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]