"لا تذهب للعيادات النفسية اذهب إلى الجيم" عبارة مختصرة من خطابات عديدة لشخوص مختلفة عبر منصات متعددة، هكذا ببساطة أصبحنا نعيش جحيم اغتيالات الوعي النفسي والاجتماعي ببودكاست مرة، ومنشور مرة، بل تنصدم حينما تعرض مادة مرئية تهمش من ضرورة الوعي وتجعله مادة للتندر. نعم الذهاب للأندية الرياضية مهم للإنسان، بل أراه من ضرورات الحياة المعاصرة لكن ربط الذهاب والنشاط كحل بديل للذهاب للمختصين النفسيين والذي كنت أظنه قد انقرض مع برامج جودة الحياة العظيمة التي نفخر ونعتز بها إلا أنه لا يمضي شهر دون أن يصعد ترند شعبوي وشعبوية يقللون من قيمة الصحة النفسية المبنية على أسس علمية وطبية ضاربين بسلامة الناس عرض الحائط، وأنا هنا لأعلق الجرس وأتساءل ما رأي وزارة الصحة بهذا النوع من الخطابات؟ وكيف لها يمكن أن تواجه المد الشعبوي لمدارس الطاقة التي باتت تزيف وتلوث وعي شبابنا وشاباتنا؟ وكيف أيضاً تنظم خطابات الأطباء أنفسهم بالتحديد من يتبنون مواقف سلبية تجاه العيادات النفسية التي هي الأساس وحجر الزاوية لسلامة الإنسان السعودي.
يوجد لدينا نخب من المختصين المميزين في الوعي النفسي والاجتماعي، ولديهم بصماتهم لكن هم بحاجة أيضاً للدعم وأبسط أوجه الدعم المعنوي المنشود أن يكون هناك تنظيم إعلامي للخطابات الصحية وحصرها ولنا في هيئة تنظيم الإعلام أسوة حسنة التي حققت بزمن قياسي ضبطاً غير مسبوق للمشهد الإعلامي بشكله العام، وحق وطننا علينا أن نحمي المشهد الإعلامي الصحي من الدخلاء والشعبويين ومن لا يهمهم شيء سوى عدد التداول والمشاهدات لمحتواهم الرث.
إن مفهوم "الذات" مستمد من عدة ثقافات، في السياق الغربي فالكثير يرجعون إلى أعمال فرويد، يونغ، وروجرز أما في السياقات الشرقية فإن هناك تأثيراً للبوذية والمدرسة الصينية الفلسفية، بالمقابل فإن المدارس العربية والسياق الخليجي بقي كمشاهد فقط، رغم عمق مفهوم الذات في النصوص القرآنية وأصالة حفظها في الفكر الإسلامي إلى أن الممارسات الصحية والوعي المنشود لم يكن بالشكل المطلوب بل تضاعفت عبر السنوات الماضية وصمة المرضى النفسيين وهي مستمرة ولا ينكر ذلك إلا جاهل، فالكثير من الناس لا يزال يظن أن المكتئب هو ذلك الشخص الضال الذي لا يصلي ولا يقرأ القرآن فدروشة الفكر الصحوي شوهت هذا الوعي بل قرأت منشوراً لأحد المختصين الرائعين يحكي عن قصة مؤذن أصيب بالاكتئاب وشاهدت حجم الإنكار في الردود، نعم إن قصة "الذات" بالغالب معقدة ولا بأس لنعد إذاً بناء مفهوم خاص بنا للإنسان السعودي الذي هو محور اهتمامنا جميعاً.
مفاهيم الهوية التي ناقشتها مراراً وتكراراً لا تزال في حيز الأولويات الآجلة كما يبدو، وأول خطوة لإعادة موضعة التمكين النفسي للفرد هو العناية الفائقة بما يسمعه ويشاهده. نعم لنذهب إلى النادي ونستمتع ونستمع أيضاً لاحتياجات عقولنا ومشاعرنا، وأن لا نجعل مصير علاقاتنا الاجتماعية والمهنية رهن هذه الخطابات المزيفة وأن لا نقبل بتمريرها وكأنها شيء بسيط فتراكمها كفيل بأن يحجب المعرفة الحقيقية، والله الموفق، دمتم بصحة وطمأنينة.




http://www.alriyadh.com/2066142]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]