قرار استقلالية «هيئة التأمين» من أهم القرارات التي اتخذت في الفترة الأخيرة، لتنظيم هذا القطاع الحيوي الهام، الذي يغطي أركان المملكة ويتسع ويتشعب ويقدم خدمات جليلة للمواطنين والمقيمين بكفاءة عالية، ولأن هذا الأمر يحظى باهتمام القيادة الحكيمة؛ فقد قرر مجلس الوزراء تشكيل لجنة في البنك المركزي بعضوية ممثلين من وزارات المالية، والموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، والصحة، والبنك المركزي السعودي، وبرنامج تطوير القطاع المالي، ومجلس الضمان الصحي؛ لاتخاذ ما يلزم في شأن نقل الموظفين والعاملين في قطاع التأمين والوظائف «الشاغرة والمشغولة» المتعلقة بهذا القطاع في كل من البنك المركزي السعودي، ومجلس الضمان الصحي، إلى هيئة التأمين، واقتراح ما تراه مناسباً في هذا الشأن، وفقاً للقواعد والترتيبات الخاصة بكيفية معاملة الموظفين والعمال في القطاعات المستهدفة بالتحول والتخصيص، الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (616) وتاريخ 20 /10 /1442هـ، حتى يستقيم أمر نقل الاختصاصات بأمان وسلام، وتجنب وقوع أخطاء، قد تهدد المشروع الوطني الكبير، وتؤثر على أهم أركانه المتمثلة في القوى البشرية المؤهلة والمدربة والحاصلة على برامج تدريبية طوال سنوات ماضية، نالوا فيها من الخبرات الكثير.
ولكن يبدو أن «هيئة التأمين» تسابق الزمن، وتريد أن تحقق طفرة غير مسبوقة، بالوصول إلى نسبة توطين 100%، في حين أن نسبة التوطين الحالية تتعدى 80%، وهي نسبة كبيرة، ومع ذلك أصدرت قراراً بتوطين وظائف مبيعات المنتجات التأمينية اعتبارا من 15 أبريل 2024؛ تعزيزاً لفاعلية قطاع التأمين، وخلق فرص عمل جيدة للمواطنين.
في تقديري.. مثل هذا القرار الجريء له من الإيجابيات الكثير، ولكنه يطرح تساؤلات عديدة، منها لماذا لم تصدر قرار التوطين وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وهي الوزارة المعنية بتوطين الوظائف والقطاعات في أرجاء المملكة؟ وهل استعدت الهيئة لتبعات هذا القرار جيداً، خاصة أن القطاع –كما أسلفنا- كبير ومنتشر في كل مكان بالمملكة، وأن العاملين الحاليين، بعدما حصلوا على خبرات كبيرة، فإن الاستغناء عنهم سيحدث هزة في الكوادر الإدارية، وربما يؤثر على مسيرة الأعمال، وقد ينتج عن ذلك أمور نخشاها جميعاً، تتمثل في التستر، والاستعانة بالخبرات التي سيتم الاستغناء عنها في مناصب مستشارين، أو العمل من الباطن، وكنت أرى أن تتريث الهيئة في قرار التوطين بعض الوقت، حتى يتم إعادة ترتيب وتنظيم البيت من الداخل، أو أن تتم مراحل التوطين بشكل تدريجي، كما هو متبع.
لدي يقين أن قطاع التأمين وصل لمرحلة كبيرة من النضج، حيث وصلت الكوادر الوطنية لمستويات متقدمة من الأداء والقدرة على التعاطي باحترافية عالية، مما يستدعي رفع نسبة التوطين في القطاع، ودعم وتمكين الكفاءات والقدرات الوطنية في القطاع التأمين، ومن ثم تحسين النشاط الاقتصادي الحقيقي على المستوى المحلي، وقبل ذلك رفع جودة الخدمات المقدمة.
إن الصلاحيات الممنوحة للهيئة بتنظيم أعمال التأمين في المملكة والإشراف والرقابة عليه بموجب تنظيم هيئة التأمين الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم (85) وتاريخ 28 /01 /1445هـ، جعل الهيئة تضمّن قرار التوطين عدم منح العاملين غير المختصين في المبيعات أي عمولات تتعلق بالمبيعات، مع القيام بمتابعة تطبيق قرار التوطين، وصولاً إلى نسبة التوطين المستهدفة، التي لم تقررها الهيئة في قرارها، الذي اتخذته بعيداً عن وزارة الموارد البشرية.
قد يظن البعض أنني أعترض على سياسة التوطين، وهذا غير صحيح، إن ما يقلقني أن النجاح الذي حققته «هيئة التأمين» في السنوات الأخيرة يتأثر بقرار التوطين الجديد، والتخلص مع كوادر مدربة في وقت قليل، فبين يدي تقرير عن نمو أعمال قطاع التأمين خلال الربع الثالث من عام 2023، بنحو 14.6%، ليبلغ إجمالي الأقساط المكتتبة 14.9 مليار ريال (3.9 مليارات دولار)، مقابل 13 مليار ريال (3.4 مليارات دولار)، خلال الربع المماثل من العام السابق له، كما بلغ صافي الدخل للقطاع 869.6 مليون ريال (231.8 مليون دولار)، مقارنة بـ370.6 مليون ريال (98.8 مليون دولار)، فتلك الأرقام والنتائج الإيجابية مهددة بالتقلص، إذا حدثت هزة في الكوادر البشرية الإدارية، لأن توظيف موظفين جدد يحتاج برامج تدريبية متخصصة، حتى يدخلوا دولاب العمل بكفاءة واحترافية تناسب قطاع التأمين الذي يحقق نجاحات كبيرة، ونأمل أن تستمر تلك المسيرة رغم القرار الجريء.




http://www.alriyadh.com/2066319]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]