لا زمن للشعر إلا أن يكون لكل الزمن.. ولا حصر للقصيدة إلا أن تكون شائعة كالعطر ورائجة كالنميمة وخالدة كالمحال.. هي نافذة الغد وشمس الأمس وضمير الحاضر.. تتقلب الأيام والأحداث على يديها وتبقى على مرمى حنين واستجابة نداء. عنا نحن العرب ..لا أعرف كيف يكون الشعر كل هذا الفضاء المتسع لبكائياتنا منذ وقوف جدنا امرئ القيس بطلل محبوبته التي لا نعرف عنها أكثر من أن شيخنا الكبير استوقفنا للبكاء على أطلالها.. ولا نعرف عن ليلى قيس إلا أنها الفتنة التي أخذت بعقل ابن الملوح، حتى ذلك العظيم المتنبي لا نعرف عن نبوءاته إلا أنه الحاضر فينا لكل رأي حكيم أو المشتعل بنرجسيته حد الموت. هو هكذا الشعر لا يكتفي بزمن واحد كي يسلبه منه فن آخر.. ولهذا يقف العالم كله -على اختلاف لغاته- تقديرًا وامتنانًا للشعر، ويخصص يوم الحادي والعشرين من مارس يوماً عالمياً له، وهذا يعني أن العالم برمّته يقدّر للشعر رحلته معنا كمكوّن رئيس من مكوّنات الإجابات على أسئلة الوجود، والحلول الممكنة للعبور الآمن في هذه الحياة، على افتراض دائماً أن الدين يقدّم لنا الحلول الغيبية؛ أي ما بعد الموت، والفلسفة تقدم الحلول العقلية، في حين يقدم لنا العلم الحلول التجريبية، فلا أقل إذن من أن يقدم لنا الشعر كأحد فروع الفن وأكثرها أصالةً الحلول الوجدانية لهذه الرحلة التي تبدأ بالولادة وتنتهي بالموت. والمدهش والجميل في الأمر، أن هذا اليوم العالمي للشعر انطلق في الأصل من فكرة عربية (فلسطينية) حينما جمعت أمسية شعرية في فرنسا ثلاثة من رموز الشعر الفلسطيني، هم: محمود درويش، وعز الدين المناصرة، وفدوى طوقان، وذلك في مايو من عام 97م، حيث اجتمع الشعراء الثلاثة، وتفاهموا حول فكرة (المبادرة الفلسطينية لتأسيس اليوم العالمي للشعر)، فأرسلوا إلى (مدير عام اليونسكو الدولية)، ووقع الرسالة جميعهم: (فدوى طوقان، مواليد 1917 – محمود درويش – 1941 – وعز الدين المناصرة – 1946)، وطالبوا بتخصيص يوم عالمي للشعر في نهاية الرسالة. وبالتالي تواصلت الاستشارات، حتى أصدرت اليونسكو عام (1999) قرارها بالموافقة على فكرة (تأسيس يوم عالمي للشعر) وأعلنت أن يوم (21 مارس) من كل عام، هو يوم عالمي للشعر، ومنذ ذلك التاريخ والعالم يقف بالشعر في هذا اليوم مؤمنا بدوره الوجودي في إيقاظ الوعي العام، ولعله في كل الأحوال من المهم جدّا أن نسجّل للعرب، هذه الفكرة الريادية في المحافل الثقافية الدولية، ولا سيما الشعرية منها. إذن يوم عالمي للشعر كي يؤكد العالم مع كل مناسبة أنه لولا الشعر لما أدركنا بهجتنا ووعينا بالوجود، فالحقيقة الدامغة تشير دائما إلى أن الشعراء يرحلون وتبقى قصائدهم غاية الاستدعاء، وحبيباتهم عرضة للمحاكاة، وأسماؤهم أولى بالتذاكُر، وتاريخهم أشهى للتدارس.. شمسهم لا يدركها الليل ولا ينام عنها الصباح، ثوابهم الحضور وعقوبتهم التقلّب بين يدي المواجع.. وفي آخر الأمر يموتون طويلاً ليعيشوا أطول من موتهم، ثم يقف العالم كل العالم بشعرهم في يومٍ توارثه الأجيال.




http://www.alriyadh.com/2066458]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]