لا تشير السنابل دائماً إلى الأعوام، فقد تكون هي السنابل في حقيقتها وهيئتها في حقولنا. تلك السنابل الممتلئة المنحنية تواضعاً أو تلك الفارغة الرافعة رأسها الأجوف إلا من تجاويف لا حب فيها ولا شيء ذو قيمة.
السنابل في أحيان أخرى تشير إلى ذلك الإنسان خلف شاشة جواله الذي يقوم بتصوير كل شيء وتصدير أي شيء، فلم تعد الحقول وحدها من يستأثر بالسنابل، ولم تعد بعض البيوت تستأثر بأسرارها وتغلق أبوابها على حياتها الخاصة وتستر عوراتها أو تشكر إنعام الله عليها بعدم عرض ما منحها الله من وفرة في الرزق وسعة ورغد ورفاهية حياة.
لم تعد السنابل سنابل، ولم تعد القلوب قلوباً، ولم يعد الشكر يتجسد على هيئة صدقة وبذل يعلمه الله، وأصبحت الصدقات للكامرة والبشاشة للكامرة –أحياناً-، وأصبح بعض حديثي النعمة خطراً حقيقياً على النسيج الاجتماعي والنسيج الأسري، وأصبحت كمرة الجوال ومنصات التواصل في بعض الأحيان سلاحاً موجهاً لقلوب قليلي الحيلة، وقصيري ذات اليد.
قصيرو ذات اليد الذين يملكون أيادي ندية ولكن التزامات الحياة جففتها، في الوقت الذي أصبح فيه بعض طويلي ذات اليد في ظاهرهم يعيدون تشكيل المشهد على المسرح الذي يمثلون فيه دور القاتل، ويتفننون في إطلاق رصاصهم المميت. يتساقط القتلى على مسرح العرض. مسرح العرض الافتراضي الذي نصب خشبته داخل كل بيت وداخل كل مكان. مسرح أصبح يستطيع أن يبني خشبته في كل كف ندي يحمل جواله، وداخل كل عين فتاة مكسورة الجناح أو فتى مخنوق الأنفاس أو أم وأب يضربون في الأرض ليوفروا لأبنائهم ستراً ورزقاً مباركاً. مسرح لا يحتاج إلى مساحة أو فترة عرض أو أذن عرض فكل الحواجز تلاشت وكل القيم ذابت مع لقطة سنابية أو تكتوكية.
أصبح إرسال الفراغ إلى البيوت الممتلئة مودة ورحمة وحياة مستورة كفيلاً بأن يهز أركانها ويشوهها ويوجعها وإن تمسكت وصمدت أمام تلك القنابل الفراغية.
الأسرة أعظم الحقول وأهم الحقول. حقول تمنح المجتمع فلذة سنابلها، وتعطي المجتمع شكله ولونه وطعمه. الأسرة حقل يشكل اقتحامه اقتحاماً لكل شكل من أشكال الوجود الاجتماعي والحياة العامة، والقيمة الوجودية، ومعاني التشكل الإنساني الأسمى، ويشتبك هذا المقال تشابكاً تشعبياً باتجاه علم الاجتماع الأسري، وعلم اجتماع الحياة اليومية بما فيهما من عناصر تحليل، ومشاعر جماعية، ونظريات تفسيرية في فضاء خاص، وفضاء عام تلتقي فيه مع عناصر إعلامية وثقافية ترسم لوحة اجتماعية (سوسيولوجية) بمفهومها المركب، والذي يحتاج إلى تأمل وتدقيق.
بعض حديثي النعمة عندما يكونون نقمة على تلك السنابل الشامخة في حقولها والمباركة في اخضرارها، فلا سلاح يوقفها إلا سلاح الدعاء وهو سلاح لا يبقي ولا يذر. اللهم اهدنا واهد حديثي النعمة وفارغي السنابل. اللهم اهد من كشفت شمس الثراء سوءاتهم، ومن شرحت كلماتهم هشاشة ذواتهم، وخواء إنسانيتهم.




http://www.alriyadh.com/2066465]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]