الإحصاءات المحلية في 2023 تؤكد أن ما نسبته 54 % من سكان المملكة وقعوا ضحية لعملية احتيال إلكتروني واحدة على الأقل خلال العام السابق، وبما يعادل شخصاً واحداً لكل شخصين، في مقابل 13 % تم التحايل عليهم لأكثر من مرة..
ظاهرة الاحتيال الرقمي تعيش موسماً استثنائياً في المملكة أيام رمضان، لأن الطلب الإلكتروني فيه يرتفع بشكل ملحوظ، وبالأخص في مجالات التسوق على الإنترنت، وفي استئجار خدمات العمالة المنزلية المؤقتة، والمحتالون لا يتوقفون عند هذا الحد، فقد وصل الأمر إلى درجة سرقة المعتمرين وزوار الحرمين والاحتيال عليهم، وذلك عن طريق إنشاء مواقع وهمية لحجز الفنادق في مكة والمدينة، ومعها مساحات إلكترونية لحجوزات القطارات والنقل وغيرها، بالإضافة إلى انتحال صفة المحال الشهيرة التي تنشط في الشهر الكريم، وهم يشترون نتائج البحث على محركات الإنترنت، وبما يجعل مواقعهم تظهر ضمن أول خمسة خيارات بحث، بحسب المختصين، والمتمرسون في هذه العمليات، يعلنون عن أنفسهم في منصات موثوقة وصاحبة شعبية، ويستعينون بوكالات إعلان حقيقية في جزء كبير من أنشطتهم، وكلها تمكنهم من الوصول إلى بيانات الأشخاص وبطاقاتهم الائتمانية، ومن ثم أخذ كامل المبالغ الموجودة فيها، أو استغلال البيانات في الإطاحة بضحايا آخرين.
البنوك التجارية وشركات الاتصالات، كلاهما يمثل ركناً أساسياً في المشكلة، فالاحتيال الرقمي يستغل الثغرات الواضحة فيهما لتحقيق أهدافه، ومن أمثلتها، عدم اشتراط البصمة لتعديل معلومات الحساب البنكي إلكترونياً، كما هو الحال في منصة أبشر وخدماتها، والاكتفاء بالكود المرسل إلى الجوال لإنجاز المهمة، واستبعاد فرضية سرقة أو استنساخ شريحة الجوال زيادة على المعلومات البنكية، والأصعب أن الحصول على شريحة جوال سعودي متاح على الإنترنت، ويمكن استخراجها من خارج المملكة، ومكالمة الاحتيال عندما تأتي من رقم سعودي، تعطي صاحبها مصداقية عالية، والتعامل بين جهاز الشرطة والبنوك بدائي وورقي، ومن الشواهد أن الشخص إذا تقدم ببلاغ إلى مراكز الشرط عن تعرضه لاحتيال، فإنها تقوم بالتواصل الكتابي مع البنك لطلب معلومات الحساب، وهذا الإجراء قد يأخذ مدة تصل لـ15 يوماً للرد عليه.
المفروض أن تعمل الدولة على وضع ضوابط إلكترونية لتقديم الخدمة، تعطى فيها أولوية لتأمين النظام وحمايته، قبل التفكير في إدراج خدمات جديدة من خلاله، والذي يحصل في البنوك وشركات الاتصالات حالياً هو العكس تماماً، بمعنى أن ردة الفعل تأتي بعد الفعل، ولا تستبقه أو تستعد لاحتمالية وقوعه، وتحديداً فيما يخص كبار السن واستمالتهم بعروض الزواج الوهمية، ومعهم النساء على اعتبار أنهن أكثر ضحايا الاحتيال الرقمي في المملكة، فقد خسرن بسببه في عام 2022، استنادا لما نشرته الصحافة السعودية، حوالي مليار ريال أو ما يساوي 267 مليون دولار.
الخسائر المترتبة على الجرائم الإلكترونية، ارتفعت من ثلاثة ترليونات في 2015، إلى ثمانية ترليونات في 2023، والمتوقع وصولها لعشرة ترليونات وتسع مئة مليار في 2025، وجرائم الاحتيال المالي في العالم طبقاً لأرقام 2023، تكلف خسائر قدرها 21 مليارا و900 مليون دولار في كل شهر، و931 مليون دولار في الأسبوع، و 15 مليونا و200 ألف دولار في الدقيقة، و255 ألف دولار في الثانية، واحتمالية قيام محتال باختراق بيانات أحدهم، باستخدام التصيد العشوائي أو الهندسة الاجتماعية، تصل إلى واحد على 166 ألفا، وتوصلت تجربة اجتماعية أجريت عام 2022، بمشاركة البنوك السعودية واتحاد الأمن السيبراني، إلى أن أكثر المدن السعودية تفاعلاً مع العروض المزيفة، ومع رسائل الاحتيال على الجوال، كانت على التوالي، جدة والرياض والدمام والمدينة ومكة، وهذه إشكالية فعلاً.
الإحصاءات المحلية في 2023، تؤكد أن ما نسبته 54 % من سكان المملكة، وقعوا ضحية لعملية احتيال إلكتروني واحدة على الأقل خلال العام السابق، وبما يعادل شخصا واحدا لكل شخصين، في مقابل 13 % تم التحايل عليهم لأكثر من مرة، وكشفت دراسة أجرتها (وكيفيلد للأبحاث) أن الثقة المفرطة من قبل المستهلكين في الأراضي السعودية، جعلتهم معرضين بصورة أكبر لعمليات الاحتيال الإلكتروني، وأشارت إلى أن 80 % من المواطنين والمقيمين، ممن يعتقدون أنهم محصنون ضد الاحتيال، يعتبرون الأكثر استجابة لطلبات المحتالين، مقارنة بمن يعتقدون أنهم أقل حصانة، ومسألة الاحتيال المالي في غاية الأهمية، لأن 70 % من التعاملات داخل المملكة ستكون رقمية في 2030.
بخلاف أن نظام الاحتيال المالي الذي صدر عن البنك المركزي السعودي في 2020، جيد ولكنه ليس كافياً، فعقوباته لا تتجاوز 5 أعوام حبس و5 ملايين ريال غرامة، أو حوالي مليون وثلاثة وثلاثين ألف دولار، فيما أقر الاتحاد الأوروبي قانونا يفرض غرامات قد تصل إلى عشرين مليون يورو، لمحاسبة الشركات التي تسرب معلومات مواطنيه، ولا بد من العمل على برنامج وطني لمكافحة الاحتيال بأشكاله المختلفة، وبحيث يكون مظلة تضم كل الأجهزة الحكومية والخاصة المعنية بهذا الملف، وعمل ربط إلكتروني بين الشرطة والبنوك يضمن الرد الفوري على الاستفسارات، بجانب الاستفادة من التجارب الدولية في التعامل معه، مثلما فعلت أوروبا وأميركا وأستراليا، في تعاطيها الاحترافي عام 2023 مع منصة الاحتيال العالمية (جنيسيس ماركت).




http://www.alriyadh.com/2066606]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]