رحم الله الفنان بكر الشدي، حيث نتذكر هذه الأيام، مع طفرة الحديث عن الذكاء الاصطناعي، مقولته الشهيرة "العو عو لمة" التي أطلقها نهاية القرن الماضي مع "ترند" تلك الأيام، عندما كانت العولمة والتنبؤات حول عصر العولمة هي حديث الناس على كل المستويات.
وقد عاصرنا في العقود الأخيرة، تحولات كبرى ناتجة عن الابتكارات التكنولوجية، رافقها تخمينات وتنبؤات حول ماهية مصطلحات جديدة مثل العولمة والإنترنت، وإلى أي حد ستؤثر على ثقافتنا وعلاقاتنا ووظائفنا، وهو الأمر الذي يتكرر اليوم مع مصطلح الذكاء الاصطناعي، حيث تعم النقاشات عن كنه هذه المرحلة الجديدة التي نقف على أعتابها.
وبالتأكيد، العولمة والإنترنت قد غيرا بشكل جذري الطريقة التي نتواصل بها، ونعمل بها، متجاوزين الحدود الجغرافية والزمنية المعتادة، إلى تكامل وتواصل ما كنا نتخيله يومًا، ونعيشه اليوم كمسلمة لم تعد تلفت انتباهنا لفرط ما أصبحت عليه من بداهة، لكن الحال كان مختلفًا في نهاية القرن الماضي، ولم يكن لدينا التصور الكافي عن حجم التغيير الذي ستحدثه تلك المصطلحات، عدا ترديدنا لنبوءة المفكر الكندي مارشال ماكلوهان بأن ثورة الاتصالات ستحول العالم إلى "قرية صغيرة"، وهو ما نعيشه اليوم من تكامل اقتصادي وثقافي عالمي سهلته ثورة التقنيات الاتصالية.
اليوم، مع ظهور الذكاء الاصطناعي، الذي لا يزال في بداياته، نحن بصدد تحول جديد قد يفوق في أهميته العولمة والإنترنت، إلى حد تمكين الآلات من أداء مهام كنا نعتقد أنها خاصة بالذكاء البشري، من التشخيص الطبي إلى التنبؤ بالطقس، حيث تدخل تطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد في جوانب مختلفة من حياتنا.
وفي الوقت الذي كان للعولمة والإنترنت دور في توسيع نطاق تبادل المعلومات والسلع والخدمات، يذهب الذكاء الاصطناعي إلى ما هو أبعد من ذلك من خلال أتمتة المهام، وهذا يعني تغييرًا جذريًا للوظائف والصناعات، كما يعتبر الذكاء الاصطناعي بمثابة محرك لإنشاء أنواع جديدة من الابتكارات والخدمات، من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعات ودقة عالية، والكشف عن أنماط ورؤى تفوق القدرة البشرية، مما يفتح الباب أمام حلول ثورية تتجاوز ما نسميه بالتفكير "خارج الصندوق" إلى ما يفوق حتى قدرتنا على التخيل.
وهذه الثورة حتمًا تأتي مصحوبة بمخاوف مشروعة، تمامًا كما كان الحال مع العولمة والإنترنت في قضايا تتعلق بالخصوصية والغزو الثقافي وتكافؤ الفرص، حيث يحمل الذكاء الاصطناعي مخاوفه حول الأخلاقيات، الشفافية، الامن، والخوف من أن الأتمتة قد تؤدي إلى فقدان الوظائف في بعض القطاعات، بينما من جهةٍ أخرى يمكن أن يوفر الذكاء الاصطناعي فرصًا هائلة لتحسين جودة الحياة ومعالجة بعض التحديات العالمية؛ عبر تطوير طرق أكثر كفاءة وفعالية للإنتاج، وتوليد الطاقة، وتوفير الرعاية الصحية، وغير ذلك الكثير.
إننا بالفعل نعيش تجربة جديدة قد تكون أكبر من مخاوف/ فرص بداية العولمة ثم الإنترنت، تتطلب منا التفكير بعمق في كيفية توجيه هذه التكنولوجيا وضمان الاستفادة منها، عبر الاستثمار في البحث والتطوير، وبناء الشراكات مع مراكز الأبحاث العالمية، لضمان أن نكون في طليعة المستفيدين من هذه الثورة، بما يخدم مصالحنا، وتواجدنا في كل الأحوال.




http://www.alriyadh.com/2066970]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]