(لماذا يقودك أبواك للجنون) عنوان مثير؛ ولو كان بهذه الصيغة: هل يقودك أبواك للجنون؟ لكان أقرب للطرح الواقعي أو العلمي.. نعم يقود بعض الآباء بأساليبهم غير التربوية أبناءهم للتمرد، وأحياناً يحدث العكس لأن العوامل المؤثرة في التربية موجودة داخل المنزل وخارجه، وبالتالي يمكن طرح سؤال الكتاب بصيغة عكسية (لماذا يقود الأبناء آباءهم للجنون)؟
العلاقات الأسرية ليست دائما مثالية، تحدث اختلافات في الآراء حول قضايا تخص الأسرة وحول قضايا خارج نطاق الأسرية قد تكون اجتماعية أو ثقافية أو علمية.. إلخ.
سيكولوجية الأبوة تظهر في الشعور بالمسؤولية والحرص على الالتزام بنظام الأسرة ومبادئها، وتظهر هذه السيكولوجية من خلال سلوك أبوي يثق بخبراته ونظرته للحياة ويحاول أن يوجه الأبناء على نفس الطريق الذي سار عليه. في كل المواقف يقدم الأب بكل ثقة ومن منطلق المسؤولية والعاطفة مجموعة من النصائح أو الأوامر التي قد لا تتفق مع فكر الأبناء وتصوراتهم والسلوكيات الجديدة التي اكتسبوها وأحدثت فجوة بين جيل يرى أنه القدوة وصاحب الأمر والقرار والتوجيه ووضع قواعد تنظيمية للأسرة، وجيل مختلف يحاول أن يجرب ويكتشف بعيدا عن رادار الآباء.
ثمة جدل تربوي حول العلاقة بين الوالدين والأبناء وبتعبير آخر بين الخبرة وبين فكر الشباب أو المراهقين. كيف يمكن تحقيق توازن بين مسؤولية الكبار وبين تطلع الشباب لحياة بدون قواعد. كيف تكون العلاقة بناءة وإيجابية بين الطرفين. وسط هذا الجدل المستمر يدخل السيد دين برنيت ساحة النقاش بكتاب مثير بعنوانه (لماذا يقودك أبواك للجنون؟) دار عصير الكتب/ ترجمة عمر العوضي.
عنوان الكتاب يوحي بأنه ينحاز إلى الأبناء لكن المترجم يوضح في المقدمة أن المؤلف ألف الكتاب من أجل الشباب، إلا أنه بين الحين والآخر سيقول للشباب إن الكبار على حق وأن الخبرة تعطيهم ميزة. الكتاب –حسب المترجم– يركز على توضيح مواقف الوالدين وطريقة تفكيرهم ووجهة نظرهم سواء كانت وجهة نظرهما متأثرة بالخبرة أو السن أو طبيعة الدماغ.
المؤلف يعرف نفسه بأنه متخصص في علم الأعصاب أي طبيب مخ، ويقول إن هذا الكتاب يختلف عن كتبه السابقة عن المخ لأنه ليس للكبار وإنما هو للأكثر إثارة للشباب.
يمكن القول إن أكثر الكتب في هذا المجال توجه النصائح للآباء في كيفية التعامل مع المراهقين، أما هذا الكتاب فهو موجه للمراهقين لفهم سلوك الأبوين.
عنوان الكتاب مثير ولو كان بهذه الصيغة: (هل يقودك أبواك للجنون؟) لكان أقرب للطرح الواقعي أو العلمي. نعم يقود بعض الآباء بأساليبهم غير التربوية أبناءهم للتمرد وأحيانا يحدث العكس لأن العوامل المؤثرة في التربية موجودة داخل المنزل وخارجه وبالتالي يمكن طرح سؤال الكتاب بصيغة عكسية (لماذا يقود الأبناء آباءهم للجنون؟)، أو بصيغة أخرى (الفجوة بين الآباء والأبناء، الأسباب والحلول).
الفجوة بين الآباء والأبناء قد تكون بسبب الآباء وقد تكون بسبب الأبناء، أو بسبب المجتمع. يطرح المؤلف كمثال قضية عصرية تتمثل في قلق الوالدين من إدمان الأبناء على استخدام الهاتف الذكي والسلبيات المترتبة على ذلك. يفرق المؤلف بين إدمان الأشياء الخطيرة مثل المخدرات لأن الإدمان الحقيقي –حسب رأي المؤلف– "يغير وصلات الدماغ ويجبرك على السعي إلى الشيء الذي تدمنه كالمادة المخدرة والقمار إلى درجة تصل إلى إهمال وتجاهل الأشياء المهمة كالأصدقاء والأسرة والقانون، وحتى يوم كتابة هذا الكتاب لم تسجل حالة واحدة لشخص غير قادر على العيش بدنيا أو عقليا إن نزع منه هاتفه المحمول".
مختصر الرأي أن صرف وقت طويل مع الهاتف المحمول وتجاهل الأشياء المهمة هو حسب المؤلف "ليس بنفس سوء إدمان الأشياء الخطيرة وهذا الاستخدام المبالغ فيه سلوك غير صحي لأنها تنشط الدماغ ولا تنشط الجسد إلا قليلا".
الرأي الآخر يقول إن سوء الاستخدام قد يصدر من الكبار والصغار والعلاقة السلبية بين الآباء والأبناء قد يكون سببها أحد الطرفين، ومن أسبابها المؤثرة غياب البعد الديني، وغياب الحوار الهادئ، بسبب عدم توفر فرص تواصل يومي بين أفراد الأسرة، أو المؤثرات والمتغيرات الاجتماعية والتقنية الضاغطة والمغرية أحيانا. وهذا ما عبر عنه مسلسل (أعلى نسبة مشاهدة) الذي يطرح قضية ذات علاقة مباشرة بموضوع الكتاب المشار إليه.
النقاش لم يكتمل، لنا عودة لهذا الموضوع إن شاء الله.




http://www.alriyadh.com/2067188]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]