حضر أحد علماء الاجتماع جلسة محاكمة في إحدى المدن الصغيرة، ووجد أن المتحاكمين يخرجون وهم راضون بالحكم الصادر، وهذا الأمر لفت انتباه العالِم ليس لرضى هؤلاء فقط، ولكن لأنه عرف بعدم وجود أي متخصص في القانون من بين ما يمكن تسميتهم بهيئة المحلفين المسؤولة عن إدارة المحاكمات وإصدار الأحكام!
أثار هذا الموضوع فضول العالم العلمي مما دعاه إلى البحث عن السبب أو الأسباب التي لم تكن تتعدى أن هؤلاء كانوا من أهل المدينة العارفين تماماً بأعرافها وعاداتها وتقاليدها وثقافتها وتاريخها الاجتماعي، فالعرف قانون غير مكتوب، وهو محط اهتمام، ومحور تسليم.
لا أدري على وجه التحديد لماذا سيطرت هذه القصة التي قد تختلف في تفاصيلها الحقيقية وبين طريقة عرضي المقتضبة لها، وأنا أنوي الحديث عن المفكر السعودي الأستاذ الدكتور عبدالله الغذامي، ولكن يبدو لي أن تمكن الدكتور الغذامي من القراءة الاجتماعية لكل ما يكتبه سواء ارتبط بالأدب أو بالتاريخ الاجتماعي للمجتمع السعودي أو بطرق بناء الأفكار وتباين الفكر السائد بين مرحلة ومرحلة من المراحل التي يمكن تسميتها بالمراحل الاجتماعية للأدب، والذي يقف فيه بين المنظور الاجتماعي والتخصص الأدبي والملاحظة بالمشاركة الفعلية بشكل لا يمكن معه إلا القول بأن الدكتور الغذامي عالم اجتماع بالممارسة والدربة والدراية الناتجة عن قدرة مذهلة في ربط مفاصل الكتابة ذات الأبعاد المتعددة.
مؤلفات الدكتور الغذامي ولقاءاته ليست مؤلفات أو لقاءات عابرة أو محصورة في زاوية من زوايا المعرفة العامة أو العلم المرتبط بالأدب؛ دراسةً وتحليلاً ونقداً. بل هي أعم وأشمل وأعمق، وهي زاد معرفي علمي يحتاج أن يتزود به الأديب والمتخصص في علم الاجتماع بل والمهتم بقضايا الفكر وتأصيل تاريخ الأفكار، وتحولاتها في المجتمع السعودي، ورغم أن المنطلق الذي يرتكز عليه الغذامي يقف على أرض أدبية صلبة إلا أنه يمتد أفقياً ليشمل كل مناحي الحياة الفكرية والثقافية والاجتماعية للمجتمع السعودي.
المفكر السعودي عبدالله الغذامي استطاع أن يكون جزءًا من التاريخ الاجتماعي، وجزءًا ممن استطاعوا أن يؤرخوا لتاريخنا الاجتماعي والثقافي، واستطاع أن يوثق مراحل مهمة وقضايا كبرى في التاريخ الاجتماعي والثقافي والأدبي للمملكة العربية السعودية، وأن يرصد بدقة تحولات كبرى مر بها الوطن وظلت آثارها قائمة إلى وقت قريب، ولا أعلم هل مفكرنا الغذامي درس علم الاجتماع دون أن يهتم بتدوين هذا في مسيرته العامرة بالعمل والمعرفة أم أنه اكتسب ذلك الحس الاجتماعي اللافت بالممارسة والقراءة والملكة العلمية الخصبة.




http://www.alriyadh.com/2067695]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]