ربما يدحض برنامج معلقة الذي انتهى موسومه الأول منذ فترة وجيزة مقولة انقراض الشعر، أو زوال عهده وأفوله، فلا شك أن البرنامج الذي أطلقته هيئة الأدب والنشر والترجمة تزامناً مع مبادرة عام الشعر العربي استطاع أن يحقق غايات عدة قد يكون بعضها مقصوداً من مُعدّي البرنامج، وقد يكون بعضها الآخر من إنجازات البرنامج بعد أن أذيعت حلقاته كاملة، والجديد الذي حققه البرنامج ومنحه خصوصية تميزه عن غيره من البرامج التي عنيت بالمسابقات الشعرية، أنه ينظر إلى الشعر بأشكاله المختلفة على أنها منجزات جمالية ينبغي أن تتعايش لا أن تتصارع، ومن هنا دمج البرنامج بين الأشكال الشعرية المختلفة (الشعر الحر، الشعر النبطي، الشعر الفصيح)، وإن كنا نرى في هذه التسميات ما يستدعي إعادة النظر، فالشعر الحر هو شعر فصيح، وربما كانت تسمية الشعر العمودي أو شعر الشطرين أو غيرهما هي التسمية الأدق بديلاً عن تسمية الفصيح، أو أن يكتفى بثنائية الشعر الفصيح في مقابل الشعر العامي، وأن يشتمل الفصيح على شقين: الأول: الشعر الحر (نثر وتفعيلة) والثاني الشعر العمودي، أو شعر الشطرين، وربما ينظر في ذلك في المواسم المقبلة إن شاء الله تعالى.
ولعل هذا الدمج بين هذه الأشكال الشعرية بات ضرورة جمالية وفنية، فلاشك أن الفصل بين الأشكال الشعرية، وزجّها في سياق الصراع، والإلغاء والإقصاء، هو قتل للروح الإبداعية، وهو صراع يشبه صراع طواحين الهواء عند دونكشوت، فالحق إن اختلاف الأساليب والأشكال هو إغناء للشعرية العربية، وانفتاح هذه الأشكال على بعضها قد يكون عنصراً إثرائياً يسعى إليه المشتغلون في حرفة الأدب والنقد، ومن هنا ربما تكون المرة الأولى التي تحظى به قصيدة النثر العربية، بعد مرور سنوات طويلة على تكرسها في المشهد الثقافي العربي، بأن تكون مُقدَّمَة في برنامج شعري باعتبارها قصيدة له حضورها، ولها كُتَّابها ومتلقيها، وبالتالي هي وجه من أوجه كتابة القصيدة، اختلفنا حولها أم اتفقنا، فإن ذلك لا يلغي حقها في الحياة والتنافس.
ويضاف إلى دمج البرنامج بين شكلين آخرين من أشكال الشعر، هما الشعر الفصيح والشعر النبطي، وفي العادة يُفصّل لكل منهما برنامجه الخاص، وربما في ذلك مواءمة تدعو المتلقي عموماً للشعر إلى الاستمتاع بنمطين مختلفين في معالجة الموضوعات الشعرية المتنوعة، ولا شك في أنه ثمة جماليات مهمة تجعل التعالق بين هذين النمطين أمراً مُغرياً في المقارنة بين استراتيجيات عدة منها الاستراتيجيات الشفوية، واستراتيجيات تشكل الصورة الفنية التي تعد الرائد الأهم في تشكيل الشعرية المتواشجة مع الإيقاع.
من غير شك أن مثل هذه البرامج تعيد للشعر مكانته في حياتنا الثقافية، وتستقطب متلقيه بمختلف أشكاله من خلال برنامج واحد، وتمنح المبدعين أفقاً واسعاً من الحرية في اختيار الشكل التعبيري من دون إقصاء، وبذلك يمكن القول: إن البرنامج يمثل دعوة للتنافس على الجمال، من خلال مقولة لا تخفى على المتابع، تتمثل في تكامل أشكال الجمال في صناعة لغة إعلامية جديدة يكون الشعر حاديها ومهندس جمالياتها، وهو ما باتت الساحة الثقافية العربية في حاجة ماسة إليه وسط هجوم كاسح لما تبثه الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي من سموم وثقافات استهلاكية همها تهميش الإنسان ومحو ثقافته بل ربما محو قيمه الإنسانية، لاشك أن مثل هذه البرامج ستكون منارة ثقافية، على أن يكون الاستمرار هدفها والعمل على تطوير أساليبها ديدنها.





http://www.alriyadh.com/2067701]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]