تعيش أعداد غير قليلة من أفراد المجتمع الإنساني اليوم حالةً يمكن أن تكون ضمن إطار ما يُسمّى العزلة الاجتماعيّة أو الانفصال عن المجتمع. وهذه الحالة أقرب للتوصيف تحت مفهوم المصطلح الشائع باللغة الإنجليزيّة "Social disconnection" ومن علاماته قلّة التواصل مع الآخرين، وانكفاء الفرد تدريجيًا إلى شبكة اجتماعيّة صغيرة، وجعل تفاعله الاجتماعي الاضطراري غير متكرّر بسبب تفضيله التملص من مشاركة العائلة والحي والزملاء والأصدقاء في الأنشطة والمجموعات الاجتماعيّة. ويأتي التفسير الرائج اليوم لهذه الحالة اليوم فيحيلها إلى سلبيّات العصر الرقمي وتُخمة المعلومات وحصار المجتمع الافتراضي للفرد بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل التي جعلت الفرد يرى تفاعل الناس (ولا يراهم) على مدار الساعة.
ومن هنا يأتي سؤال مطروح عن حقيقة جدوى الانكباب على الشبكات الاجتماعيّة وهل يعني ذلك أنّنا نقصد الاندماج مع المجتمع أم نحن بذلك نعمّق الانعزال "Connect or Disconnect" بواسطة الاطلاع والتفاعل الافتراضي الذي قد لا يعبّر عن حقيقة الناس وتفاعلهم كما ينبغي. وبالتالي هل يمكن القول إنّ الأفراد اليوم أصبحوا منفصلين اجتماعيًا في عالم متّصل رقميّا؟ هل بدأت الأجيال الجديدة تفقد الحسّ الاجتماعي ونتيجة لذلك افتقدت أيضا مهارات التفاعل والتواصل الاجتماعي المواجهي؟
صحيح أن المجتمع الإنساني في عصر التقنية يعيش أزهى عصوره على الإطلاق من حيث تيسير المعلومات والمعرفة والتواصل، ومع ذلك فقد جلب العصر الرقمي معه هذه الإشكالات التي أسهمت في تشكيل مفاهيم الجيل الجديد وتصوّره عن الذات والحياة بصورة تقلب المفاهيم السابقة بشكل واضح. وهنا يأتي التحدّي إذ إن المؤسسات (الأسرة/ المجتمع) لم تدرك بعد حجم الخطر القادم على التماسك النفسي للفرد، وما يلزم من ضرورات للحفاظ على النسيج الاجتماعي جراء النزوح العام نحو العالم الرقمي الافتراضي، وبالتالي العيش في هذه العزلة الاجتماعيّة (الوباء الصامت) الذي سيشكّل (أفراد) مجتمعات اليوم والغد في حالة لا يمكن قياس مداها وآثارها.
والإشكال الأكبر هنا أن الفرد (يعتقد أنّه وَسْط الناس) ولا يرى أنّه يعيش في عزلة اجتماعيّة، ويتحجّج بسيل الرسائل المتزاحمة أمامه على الشاشة التي تجعله -كما يعتقد- محيطًا بكل شؤون المجتمع. ومكمن الخطورة هنا يأتي من حقيقة أن الشخص (الشاب) العادي يقضي ما يقرب من سبع ساعات في النظر إلى الشاشة يوميًا غير مدرك عواقب الانفصال المادي وتأثيرات ضعف التواصل المباشر على دعم الأفكار وتعميق التفاعل الإنساني والإحساس الجمعي بالحياة. وتكشف دراسة حديثة (famileo.com) أن 41 % من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عامًا يشعرون أن وسائل التواصل الاجتماعي أدت بهم إلى المزيد من العزلة، والشعور بالوحدة أكثر من أي وقت مضى، مع قدرتهم على التواصل مع بعضهم البعض بلمسة زر واحدة. والإشكال هنا أن الإنسان -بطبعه- كائن اجتماعي يحتاج إلى مجتمعه الحقيقي والتفاعل معه، ويكفي أن نعلم أنّ الوحدة –حَسَبَ الدراسات- تزيد من احتمالات الوفاة المبكرة بنسبة 45 ٪.
قال ومضى:
من تعلّم تكلّم.. ومن تكلّم تألّم.




http://www.alriyadh.com/2067973]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]