الأغذية لا تتلف في الواقع، إلا إذا لم تخزن بطريقة صحيحة، أو تغير لونها أو مذاقها أو رائحتها، وتوجد أغذية لا تقبل التلف، كالأرز والسكر والملح والعسل والباستا والبقوليات، وشركات الأغذية، في الوقت الحـــــالي، تحرص على تقصير تواريخ انتهاء الصلاحية، لزيادة منتجاتها ومضاعفة الأرباح..
منذ بداية شهر رمضان الجاري، قامت البلديات وهيئة الغذاء والدواء بمصادرة أغذية غير صالحة للاستهلاك الآدمي، وبإجمالي يتجاوز 106 أطنان و200 ألف كيلوغرام، وقد حدثت الضبطيات في مناطق القصيـم ونجــــران والشرقية وتبوك والجـوف، ومدن الخـــرج والأحساء وسكــاكا، وفي مدينة جدة وحدها، وخلال أشهر رمضان ما بين عامي 2015 و2024، تم ضبط قرابة 112 طناً و65 ألفاً و680 كيلوغراماً، وكلها من الأغذية التالفة وغير الصالحة، ولم أجد أرقاماً خاصة بالرياض، ربما لارتباطه بمبادرة (إجادة) البلدية، واهتمامه بالـرقابة على المطاعم والمقاهي الموجودة فيه، بالإضافة إلى أن مبادرة ممتثل، والتي تهتـــم برفع نسبــة الامتثال بالأنظمــة والتعليمات، مفعلة بصورة أكبر في العاصمة السعودية، وتعتبر متفوقة محلياً في مسألة الالتزام البلدي.
الغش في المواد الغذائية وإتلافها قديم، ويعود في أوروبا إلى الفترة ما بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر الميلادي، فقد كانت الأغذية تخلط بأشياء عجيبة، كخلط السكر والقمح بالتراب والجبس، وبما يحقق بيع كميات أقل بأسعار أرخص، وخلط الزبدة بالشحم ودهون الخنازير، والشاي بنشارة الخشب والرمل ونفايات المواشي، وحتى الخل وضــعوا عليه حمض الكبريتيك، والحـــليب خلطوه بالطباشير، وأضافوا مواد سامة كالزرنيخ والنحاس للخضار، وبما يجعها أكثر اخضراراً، وفي بريطانيا كان بائعو الكرز الإنجليز يلعقونه قبل بيعه، ليظهر لامعاً لمن يشتريه، وقد مثل الخبز سلعة أساسية للبريطانيين في القــــرن التاسع عشر الميـــلادي، ولدرجـــة أنهم كانوا ينفقون عليه 85 % من مصروفاتهـــم، وذكر جوزيف ماننينـغ عن صناعة الخبـز في كتابه: طبيعة الخبــــز المصنوع بأمانة وبغش، وقـــال إن الخبازين الإنجليـــز أضافوا إليه الطباشير والرصاص الأبيض والجير ومسحوق العظام، وإنه في الحقيقة لم يكن يحتوى إلا على كمية بسيطة جداً من الدقيق.
خبراء التغــذية في الهند قامــــوا بدراسة مقارنة، على قيمة العناصر الغــذائية ما بين عامي 1989 و2017، ولاحظوا انخفاضاً عالياً فيها خلال أربعين عاماً، وبما نسبته 30 % للقمح والأرز، وأظهرت الفحوص على التربة، نقصاً في معدلات الزنك والفوسفور، لأسباب، من بينها، الاستخدام العشوائي للأسمدة الكيميائية والمبيدات الحشرية، والتركيز المبالغ فيه على أن تكون المواد الغذائية، حلوة في مذاقها وجميلة في شكلها ومتوفرة دائماً، والتلاعب الجيني فيها على حساب فائدتها الغذائية، ما يعني أن صحة أسلافنا تفوق صحتنا بآلاف المرات، وما كان يحصل عليه الجد من تناول البقوليـــات، مثلاً، لا يتوفر للحفيـد، ولو تناول الكمية ذاتها، لأن جودة الطعام تراجعت كثيراً.
بخلاف أن تلف الأغـــذية قد لا يكون مقصوداً، وربما حدث بفعل الإهمال أو سوء التخزين، وإن كان صالحاً من الناحية النظامية، وهناك شيء يسميه خبراء الغذاء بالنطاق الخطر لحرارة الأغذية، ويقصد به وضعها في أماكن تتراوح درجة حرارتها المئوية، ما بين خمس درجات وستين درجة، لأنها تزيد من تسارع تلف الطعام، ومن نمو البكتيريا والفطريات والإنزيمات، و بالتالي حدوث التفاعلات الكيميائية التي تعمل على تغيير خواصه، ما قد يؤدي إلى التسمم الغذائي، أو يؤثر في جودته، ومنع ما سبق لا يكون إلا بتبريد الطعام لأقل من خمس درجات أو تجميده، والفريزر قد يمد في صلاحية نوعيات من الأطعمة، ولمدة تزيد على تسعة أشهر من تاريخ صلاحيتها، والعلاقة طـــردية، فكلما زاد حجم القطعة المفرزنة، زادت فترة حفظها صالحة، والمعلبات إجمالاً يمكن استخدامها بعد انتهاء صلاحيتها، لأن الفكرة فيها هو أن تتحمل الظروف المختلفة وتعمر لأعوام طويلة، وبعضها يمكن الأكل منه مدى الحياة، والأنسب أن تتعامل معها الأجهزة المعنية في المملكة، بفهم أعمق ورؤية موضوعية، واستخدام الأرقام مفيد في معرفة حجم المشكلة، وليس في التعامل معه باعتباره إنجازاً، لأنه أبعد ما يكون عنه.
تكرار هذه المشاكل كل رمضان، يعني أنها مازالت بعيدة عن الحل، ويكشف اعتماد وزارة الشؤون البلدية وهيئة الغذاء والــــدواء، على ردات الفعل لا الأفعــال الاستباقية، وانشغالها بالعنــــاوين وتجاوز تفصيلاتها، فالأغذية منتهية الصلاحية ليست فاسدة بالضرورة، ومن الأمثلة، وجود محال في مدينة كوبنهاغن الدنماركية لبيع الأغذية منتهية الصلاحية، من باب مكافحة الهدر الغذائي، والقانون الدنماركي لا يمنع ذلك، ما لم تكن تشكل خطراً مباشراً على صحة الناس، وبعض الولايات الأميركية تتسامح في موضوع التبرع بها.
أهل البـــادية يستخدمون الحليب غير الصالح، في صناعة اللبن المجفف، أو ما يعرف بـ (البقل) أو (الأقط) أو (المضير)، والأغذية لا تتلف في الواقع، إلا إذا لم تخزن بطريقة صحيحة، أو تغير لونها أو مذاقها أو رائحتها، وتوجد أغذية لا تقبل التلف، كالأرز والسكر والملح والعسل والباستا والبقوليات، وشركات الأغذية، في الوقت الحـــــالي، تحرص على تقصير تواريخ انتهاء الصلاحية، لزيادة منتجاتها ومضاعفة الأرباح، والأصعب أن أجهزة الرقابة على الغذاء في المملكة ودول أخرى، تعينها في مهمتها غير النبيلة ومن دون مقابل.




http://www.alriyadh.com/2068563]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]