صوم رمضان والمثابرة على سلوك ونمط معيشي وروحاني وإيماني لمدة شهر يصنعان بحول الله ومنته كثيراً من الشفافية، ويوصلانه إلى أعماق قد لا يدركها، حيث قلبه صائم عن مشاعر السوء، ولسانه صائم عن كلام الشر، وجوارحه صائمة عن الغي والفجور، وبطنه صائم عن لذة طعامه..
لكي يتغير الإنسان من حال إلى حال ويستطيع أن يستوعب ما هو فيه يحتاج ثلاثاً: الوعي، والزمن، والنظام، ولكي يهذب نفسه يحتاج ثلاثاً: المراجعة، والتدبر، والتطبيق..
مؤكد أن رمضان موسم متراص بالفضائل، وزاخر بالمعاني العميقة ومملوء بالفرص الثمينة لتغيير كثير من جوانب السلوك وتقويمها، وإصلاح النفوس وتهذيبها، والاعتناء برغبات التغيير. لذا فالزمن هنا فرصة والأجواء مهيئة، والدوافع متحفزة، والبراهين متدفقة، كل ذلك يصب في مصلحة مراجعة الذات خصوصاً بعد انقضاء هذا الشهر الإيماني الكريم بالحرص على تحقق الفوائد من مدرسة الصوم لتحقيق التقوى التي يسمو بها المسلم للرقي في سلم الرفعة الروحية والأخلاقية، هي من أجلّ المقاصد التي شرع الصيام من أجلها، والكل يدرك قيمة فهم أنه ليس ثمة أفضل من شهر الصوم لبدء علاقة جديدة مع التغيير الإيجابي المستمر خصوصاً ما بعد رمضان.
أنت قبل رمضان.. وفي رمضان.. من أنت بعده!؟ سؤال يستحق الإجابة عنه بضمير متيقظ، ومعرفة يقينية.. قبل ذلك يمكن أن نتساءل ما جوانب التغيير المفترضة؟ مؤكد أن تلك الجوانب والاتجاهات تتنوع، وتختلف باختلاف الأشخاص والبيئات والسلوك، ولكل جانب من هذه الجوانب وسائل وطرق للتغيير، يحتاج فيها المسلم للتفكر والتمعن فيها، لسد جوانب النقص التي تحتاج إلى تغيير لتصحيح المسار، ومن بين أبرز هذه الجوانب تبدأ بعلاقة المسلم بخالقه منطلقاً من مراجعة دقيقة وعميقة ومتصلة لكل سلوك وفعل وقول وتفكير ونوايا يعيش بها المسلم قبل وفي وبعد رمضان لمعرفة ما كان عليه قبلاً في كل ذلك ثم ما أحدثه صيام رمضان من تغير في سلوكه وإمكانية سد النقص وتعديل كل ميل سابق جاعلاً ما عمله في رمضان من خيرات وتغير ملحوظ تغذية إيمانية له لإدراك ما يحتاجه فعلاً بعد رمضان.
ثم علاقة المسلم بنفسه من خلال الغوص في عمق ذاته ونفسه ومراجعة أخلاقه ونواياه وطرق تفكير هي أحاسيسه اتجاه كثير من الأمور، وعلاقة المسلم بأهله وقرابته حيث يراجع كيف كان قبلاً ثم أثناء رمضان؟ وما يجب عليه اتجاه والديه بالذات وأسرته وأقاربه؟ ليقوم بتعزيز كل ما هو طيب وإيجابي، وتعديل كل مائل، وتصحيح كل مسار خاطئ إن وجد، وجعل خيارات الوصل والإيثار والمودة جسراً دائماً للعبور إلى دائرة التعامل الإيماني بعزيمة، فعلاقة المسلم بمجتمعه حيث يتفكر كيف ينظر إلى واقعه ومجتمعه وماذا يريد لهم..؟ هل يريد لهم الصلاح والاستقرار أم يهتم فقط بنفسه وأخصته؟ لذا هذا الأمر مطلوب بعمق، يجعلنا سلوكنا في رمضان نتفكر بإحساس عميق كيف يتوجب أن نتغير لأجلهم؟ فنسير بمحبة الخير لهم وتقدير حوائجهم والحرص على مصلحتهم العامة، ثم علاقته بالآخر أياً كان ليعبر بالاحترام والعدل عن هذه العلاقة.
ما يتوجب أن ندركه ببصيرة راشدة أن صوم رمضان هو تحدٍ نفسي هائل يخضع له المسلم بطاعة وقبول يتخلله امتحان لإرادته الطبيعية التي تفاعل معها قبل هذا الشهر، لذا سنجد الإحساس، والتفكير، والنوايا في الصيام، والقيام، وعمل الخير تضمنت مراجعة ضمنية قد لا يدركها المسلم لأنها دخل فيها بفطرته وهمته ليصوم ويفعل كل خير فكانت تنقية للنّفس من أخطائها الكثيرة.
ويبقى القول: صوم رمضان والمثابرة على سلوك ونمط معيشي وروحاني وإيماني لمدة شهر يصنعان بحول الله ومنته كثيراً من الشفافية، ويوصلانه إلى أعماق قد لا يدركها، حيث قلبه صائم عن مشاعر السوء، ولسانه صائم عن كلام الشر، وجوارحه صائمة عن الغي والفجور، وبطنه صائم عن لذة طعامه.. كل ذلك تهذيب وتدريب وتأديب يتعايش معه المسلم الواعي بأريحية، فيمنحه ذلك دفعة روحانيّة للصائم تظهر علاماتها في هذا التذوّق المُرهف؛ لذلك هي نعمة جليلة أن بلّغنا الله الكريم رمضان وصومه ومن شكرها إحداث التغير الإيجابي الذي يجعلنا نستمر في سلوكنا النقي أثناء رمضان فيما بعد، وأن نخرج من هذا الصوم بوقفات ذاتية صادقة تعيدنا إلى حسابات الحق والفضيلة وإيفاء واجبات وحقوق علاقاتنا مع الله عز وجل أولاً ثم مع خلقه لنكون نحن بعد رمضان كما كنا فيه.




http://www.alriyadh.com/2068922]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]