«أوعدت بتجي يوم الاثنين خليتني بس أتعنى»، طرقت هذه الكلمات مسمعي بالصدفة البحتة، وأنا أبحث في اليوتيوب. نسيت عن ماذا كنت أبحث حينها، ولكن ما إن سمعت هذا الوعد بصوت يمثل الشجن الأحسائي حتى تذكرت العمل الذي لم أشاهده حتى اللحظة إلا في بعض لقطات، ويرتبط بالمدينة التي عاش فيها هذا الصوت الشجي.
الأحساء التي علُقت صورة إنسانها في وجداني منذ سنوات عندما ذهبت لحاجة لي في تلك المنطقة، وعندما سألت أنا وصديقي المرافق أحد أصحاب السيارات الواقفة بقربنا عند الإشارة المرورية عن المكان المتجهين إليه بعد أن أضعنا الطريق، وصف لنا الطريق ولكنه توقف عن الكلام، وأشار لنا بيده أن ألحقا بي. حاولنا ثناءه والاكتفاء بإرشادنا إلى الطريق لكنه لم يلتفت لطلبنا واستمر باسم القلب والثغر. أوصلنا إلى وجهتنا، وكان كل من نلتقيهم في تلك الوجهة يلحون علينا بأن نرافقهم إلى منازلهم لاستضافتنا عندما علموا أننا قادمون من خارج المنطقة –قدمنا من الرياض-، اعتذرنا منهم وكان إصرارهم على مرافقتهم وحفاوتهم كرامة وكرماً لا نجازيه إلا بالدعاء.
الصدمة وقد تكون كلمة الصدمة هي المفردة المناسبة في مثل هذا الموقف؛ عندما خرجنا ووجدنا أن من دلنا على الطريق ما زال يقف في انتظارنا خارج المبنى الذي دخلنا إليه أنا وصديقي، وكانت مدة بقائنا في المبني الحكومي ليست بالقصيرة، نظرت أنا وصديقي إلى بعضنا باستغراب وخجل من هذا الرجل غير صغير السن، وهو يقف بسيارته الوانيت ذات الغمارة، توجهت إليه وقبلت رأسه رغم تمنعه من تمكيني من ذلك، كان ينتظرنا ليصحبنا إلى بيته، اعتذرنا ولم نستطع التخلص من إصراره إلا بمشقة حقيقية، أعدت أنا وصديقي النظر إلى بعضنا، وأخرجنا ما كان في جيوبنا من نقود ولم تكن تتجاوز الخمسمائة ريال، وتوليت مهمة أن أعطيها لذلك الرجل في محاولة لإبداء الشكر والعرفان، ولكن يبدو أننا لم نوفق في تصرفنا فقد ردنا بلطف شديد وبصرامة لا تقبل النقاش، وقال: ترفضون القدوم معي، وتعطونني مقابل عمل واجب معكم، غادر وهو يبتسم بعد أن تفهم قصدنا، غادر ولكنه ترك الأثر العظيم في أنفسنا. نموذج أحسائي يشبه روح الأحساء وكرم الأحساء وشيمة الأحساء التي تمثلنا جميعا في جميع مناطقنا.
يوم الاثنين لا وجود له هنا في هذا المقال إلا أنه جزء من كلمات بصوت أحسائي، وأما خيوط المعازيب فهو عمل شاهدت منه مقاطع بسيطة، ولكني سمعت عنه ما أسعدني وجعلني أتذكر ذلك الموقف وذلك الرجل السعودي الأحسائي، والأحساء تستحق عملاً بهذه السمعة الطيبة العاطرة التي تمثل الأحساء وأهل الأحساء وليست غيرها من مقاطع لا تمثلهم ولا تعبر عنهم، وإنما هي مقاطع استهلاكية لا نتفق مع محتواها، وإن تقبلها البعض من باب الفكاهة والمرح ليس إلا.




http://www.alriyadh.com/2068920]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]