معظم السعوديين لديهم نقص في فيتامين (دال)، ما يجعله واجهة استثمارية مهمة لبعض التجار، وحتى لا نستغل، لا أدري إذا كـانت هيئة الغذاء والدواء السعودية، قادرة على المساواة بين المكملات الغذائية والأدوية في الإجراءات، وبافتراض أنها فعلت، فستكون المملكة أول دولة في العالم تقوم بتقنينها وضبطها..
نشرت الصحافة المحلية في 2 أبريل الجاري، عن قيام السلطات الصحية اليابانية بتفتيش مصنعين في مدينتي أوساكا وأكاياما، وإغلاق إحدهما، على خلفية وفاة ستة أشخاص وإصابة مئات غيرهم، وذلك لتناولهم مكمل غذائي يعرف باسم (أرز الخميرة الحمراء)، والمكملات الغذائية تحتفظ بشعبية واسعة في المملكة، وبالأخص بين الرياضيين وأصحاب الحميات الغذائية ويستخدمه النساء لأغراض تجميلية، وفي الفترة ما بين 2018 و2022 استورد السعوديون هذه المواد من 45 دولة، وبما قيمته 161 مليونا و600 ألف دولار، وتوجد مكمــــلات تصنــــع محلياً، ويتم تصـــديرها لمجموعة من الدول العربية، وبمعدل 400 ألف كيلو غرام سنــوياً، وتجارتها حول العالم تقدر بحوالي 250 مليار دولار، فيما تصل أرباحهـــا إلى قرابــــة الألف في المئــــة، بمعنــــى أن علبة المكمل التي تكلف أربعـــــة دولارات تباع بـ 59 دولارا، والعارفون يرون أنها تنطوي على تلاعب كبير، وأن مخاطرها كارثية في بعض الحالات.
الفارق بين الأدوية العادية والمكملات يظهر في تكلفتها وإجازة استخدامها، فالأولى تحتاج لأبحاث وتجارب سريرية قد تمتد لعشرين عاماً، وتكلف مبالغ تزيد عن المليار دولار، وتراقبها وتتأكد من فعاليتها وزارات الصحة وأجهزة الغذاء والدواء، بينما المكملات لا تخضع لأية رقابة، ويمكن ترخيصها خلال عشرة أيام، والتعامل الدولي معها يتم بشكل مشابه للسجائر والمشروبات الكحولية، التي يسمح بتداولها رغم أضرارها، والإعلان متاح للمكملات ومرفوض للأدوية الطبية، وعبارة مكمل غذائي تمكن الشركات من تجاوز عقبات إجرائية كثيرة، ولا تسأل إلا إذا وقعت مشاكل، كالوفيات في اليابان، وفي أماكن أخري غيرها.
من الأمثلة، الأسترالية ميرالد غاميل، التي داومت ولمدة ثلاثة أعوام، على أخذ قرص لمكمل غذائي اسمه (فالارين) لمساعدتها على النوم، ما تسبب في تدمير ثلثي كبدها، وفي 2015 نشرت دراسة استمرت لعشرة أعوام، وأجريت على ثلاث مئة ألف شخص، وفيها أن مكمل (البيتاكاروتين) الذي يحسن الرؤية والمناعة، قد يزيد من خطر الإصابة بسرطان الرئة وأمراض القلب وبنسبة 20 %، إذا أخذ بجرعات عالية، وبحسب المختصين، فإن الحالات التي يلزمها مكمل غذائي في المملكة لا تتجاوز 5 %، وتنحصر في نقص الحديد وفيتامين (دال) وحمض الفوليك عند النساء الحوامل، وما عداها لا يفيد، لأنه موجود في النظام الغذائي اليومي بكميات كافية.
معظم السعوديين لديهم نقص في فيتامين (دال)، ما يجعله واجهة استثمارية مهمة لبعض التجار، وحتى لا نستغل، لا بد من الإشارة لدراسة نشرتها جامعة كاردف البريطانية في 2018، وقامت فيها بمراجعة 437 دراسة منشورة، تناولت مضار الجرعة العالية أو (الميغا دوز) لمكمل فيتامين (دال)، وكانت النتيجة أنها تؤدي إلى تكون حصوات الكلى والفشل الكلوي، والملفت وجود شركات لا علاقة لها بالمكملات ولكنها تنتجها، مثل (كلوركس)، ولو نظرنا لأكثر المكملات مبيعا في العالم، سنجد أن مكونها الأساسي هو (كربونات الكالسيوم) أو الحجر الجيري الذي يدخل في صناعة الإسمنت.
في دراسة عملت لمدة خمسة عشر عاماً، أو ما بين عامي 1970و 1984، لم يمانع 52 % من الرياضيين أخذ مكمل غذائي، سيؤدي حتماً إلى وفاتهم بعد خمسة أعوام، إذا كانوا سيتمكنون قبلها من الحصول على بطولات أولمبية، وعلى تحطيم الأرقام القيـــاسية، وفي 2007 قتل بطل المصارعة الحرة كريس بنوا، زوجته وخنق ابنه وانتحر مباشرة، وقد أكدت الفحوصات التالية، تعاطيه للمنشطات، التي تعتبر مكمـلات غـــــذائية في أصلها، قبل الحادثة المــــأساوية، ومن مكملات الرياضيين المنبهة والمنشطة معاً، الكوكايين والإيفيدرين والامفيتامين والكافيين، وكلها تؤثر على المخ والأعصاب، وتحســــن التركيز والأداء، وتخفف من الإحساس بالتعب والإرهاق، والدراسات أكدت أن 90 % من متعاطيها، لديهم تلف في الكلى، و51 % تظهر عليهم اختلالات مزاجية، وكلهم ترتفع لديهم فرص الإصابة باضطرابات الشخصيـــة النرجسيـــــة والهستيرية، وبالفصام والاكتئاب، والأخير يدفع 4 % من الرياضيين إلى الانتحار، ولا تقل عنهم خطورة مشروبات الطاقة المرجح استخدامها بإفراط في عيد الفطر المقبل.
أميركا وكندا لم تنجحا في إقرار ضوابط للمكملات الغذائية، وفشلت محاولة كندا انتصاراً لحق مواطنيها في الاختيار، ومعها محاولتان لمجلس الشيوخ الأميركي، الأولى في التسعينات الميلادية للموافقة على مشروع قانون المكملات، والثانية في 2012، لوضع توضيح بمكوناتها على العبوة، وساهم في الإجهاز عليهما في الحالتين، السناتور الجمهوري إيرن هاتش والسناتور الديموقراطي توم هركن، ويكشف موقع (الأسرار المفتوحة) الأميركي أنهما استفادا من ذلك، إلى جانب إعلانات لنجوم هوليود، أشهرها إعلان قدمه في التسعينات النجم الهوليودي ميل غيبسون، وما سبق حاول إقناع الناس برفض القيود على المكملات ونجح، فقد جعل أعـــــداد كبيرة من الأميركييـــن، يرسلون ألى الكونغرس مطالبين بإلغاء الفكرة، والمفارقة أن أرقامهم تجاوزت أرقام المعترضين على حـرب فيتنام، ولا أدري إذا كـــانت هيئة الغذاء والدواء السعودية، قادرة على المساواة بين المكملات الغذائية والأدوية في الإجراءات، وبافتراض أنها فعلت، فستكون المملكة أول دولة في العالم تقوم بتقنينها وضبطها.




http://www.alriyadh.com/2069173]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]