سؤال يسير، وجوابه يسير، لكنه يحتاج منا إلى وقت طويل كي نجيب عنه، لا أعني الجواب السريع بألسنتنا، لكن أن نجيب عنه بأفعالنا، بيقيننا، بسعينا، أن يكون الجواب واقعاً عملياً، لا مجرد قول يخالفه العمل..
سؤال يلقيه على مسامع المؤمنين مولاهم وخالقهم، وجامعهم ليوم لا ريب فيه، يلقيه على مسامعهم لتهبط القلوب من خشيته، فتسارع الألسنة لإجابته، وتستجيب الأركان في ترجمته!
سؤال ما أعظمه، من رب عظيم، ومولى كريم، سؤال جوابه معلوم، وهو جواب واحد لا يمكن أن يتغير، لكنه لا يثبت - أعني الجواب - إلا في اللسان.
سؤال يسير، وجوابه يسير، لكنه يحتاج منا إلى وقت طويل كي نجيب عنه، لا أعني الجواب السريع بألسنتنا، لكن أن نجيب عنه بأفعالنا، بيقيننا، بسعينا، أن يكون الجواب واقعا عمليا، لا مجرد قول يخالفه العمل!
فاقرأ السؤال، أيها المحب، وأنا عليم بما ستجيب، هل أنت مستعد؟؛ لأن الجائزة كبيرة جدا، عظيمة جدا، هي أمنية كثير من الناس، ولا يمكن أن تحصل عليها بنسبك، ولا بجاهك، ولا بكدك، ولهذا جاء السؤال بعد ذكر الجائزة لا قبلها، جاء السؤال المفترضة إجابته بعد أن ذكر ما سيعطيك ، وما ستناله منه، وهذا يقرر أن الحصول على الجائزة المرجوة رهن بإجابة هذا السؤال (ألا تحبون أن يغفر الله لكم)؟
فبم ستجيب؟ إن الجواب حتما سيكون بفم واثق وبلسان صادق: بلى، كلنا نحب أن يغفر الله لنا! لكن الغفلة منا عما سبق السؤال، وهو قوله (فليعفوا وليصفحوا).
تأمل هذا الموقف العظيم من نبي الله يوسف عليه السلام، وهو يرى الذل قد كسا إخوته، وهم الذين فعلوا به الأفاعيل، فألقوه في الجب حسدا وحقدا، فكان من شأنه أن أصبح عبدا وهو الكريم ابن الكريم، ثم ما واجه من عاصفة الفتنة، في نفسه، واتهامه في عرضه، ولبث في السجن بضع سنين، حتى أعزه الله ومكن له في الأرض، وجاء إخوته قد كساهم الذل والهوان من الفقر والحاجة، ووقفوا بين يديه، فعرفهم بذنبهم، وأقروا به، فلم يشمت بهم، ولم يعنفهم، ولم يفسح لشهوة الانتقام أن ترتقي في نفسه، بل كانت نفسه أبية، وقلبه عامرا بالمحبة والغفران، ولو اعتذر إخوته عمرهم كله ما قدروا أن يبلغوا العذر منه، ولو انتقم منهم شر انتقام لما كان لأحد من الناس أن يلومه! لكنها النفوس الشامخة في عز الإباء، تشمخ أن تنال من الناس في ضعفهم، وليس المنتقم بقوي، بل هو الضعيف الذي غلبته نفسه، وسيطرت عليه شهوته.
وفي زماننا يتشاحن الإخوة والأصدقاء، ويكون العقوق والقطيعة لأسباب كثيرة لا ينهض واحد منها في أن يقطع المحب حبيبه، والقريب قريبه، والصاحب صاحبه، والأخ أن يقطع صلته لأخيه!
فاعف عمن ظلمك، سامح من أساء إليك، تجاوز عمن أخطأ عليك، لا تحمل في قلبك غلا، ولا حقدا، ولا ضغينة، قد يكون هناك من أساء إليك، وهناك من أكل مال بغير حق، من قذفك، من شتمك، من ظلمك، نحن لا نعتذر عنهم، ولا نبرر أخطاءهم، ولا نؤيدهم فيما فعلوه، لكن نقول لكم: فلتعفوا ولتصفحوا، (ألا تحبون أن يغفر الله لكم)، إذ إن الجزاء من جنس العمل، فمن عفا وأصلح فأجره على الله.
في التنزيل المبارك (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)، وفي الحديث: وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا. وفيه: ما من جرعة أعظم أجرا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله.
فهلا تعلمنا أن نعفو، هلا تعلمنا أن نصفح، هلا نشرنا روح التسامح بيننا، خاصة ونحن نرفع الأكف في خواتيم هذا الشهر نبتهل إلى الله أن يعفو عنا ويغفر لنا، فرد السؤال مرة أخرى: ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟ إذن فلتعفوا ولتصفحوا، يغفر الله لكم.. هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/2069174]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]