لا يمكن للمرء أن يكون في العيد المأمور فيه بالفرح والسرور كما كان في ليلة السابع والعشرين من الخشوع والتضرع، ومن ساوى بين الحالتين فقد طلب من الناس ما لا يستطيعون، وخالف الحال عقلاً وشرعاً..
من ميزات ديننا الحنيف تنوع عباداته، ويسر أحكامه، وشمول شرائعه، مع تناغم في مواسمه والتفاوت بينه، في اليوم، وفي الأسبوع، والشهر، والعام، في الليل والنهار، في العشي والإبكار، في الفرد والجماعة، في جميع أحوال المسلم، في الظعن والإقامة.
فحياة المسلم مكسوة بالعبادة، حتى في نومه ولباسه ومأكله ومشربه، وحتى في اللقمة يضعها في في امرأته، والدينار ينفقه على أهله، ومتى تعامل المرء في حياته بهذه الشعائر كان مع الله دوما.
إذا علم هذا فإن من المثالية التي يكثر المطالبة بها خاصة في المواسم المفضلة، أو بعدها، مثل الحث على أن يكون الناس بعد رمضان أفضل حالا من رمضان، أو مثل حالهم في رمضان! وهذا ليس ممكنا واقعا، ولا مطالب به شرعا، وإلا فما ميزة موسم العبادة إذا كان المرء سيكون في كل عامه على حال واحدة؟.
إن حث الناس على اغتنام الوقت في شهر رمضان، أو في عشر ذي الحجة، أو في يوم الجمعة من أوضح الأدلة على خطأ مطالبتهم بالاستمرار على نفس الحال بعد انقضاء الموسم.
وأدلة ذلك من الشريعة واضحة لمن نظر فيها بعين مجردة من تقمص المثال الأعظم المخالف للعقل والنقل.
من أبرز ذلك حال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهو الأكمل والأتقى والأخشى لله تعالى، فإنه كما ثبت عنه صلوات الله وسلامه عليه كان أجود الناس، وهذا في الحال العامة، لكنه كان أجود ما يكون في رمضان، وهذا واضح أنه يعود لحاله المعتادة بعد رمضان، فليس هو في الجود في شوال كما هو في رمضان.
ولهذا كان حاله في العشر الأواخر غير حاله في العشرين الأولى منها، وليس اجتهاده في العشر الأخيرة مساوياً لما قبلها.
فكيف نطلب من المسلم العامي أو التقي أو الورع أن يستمر في الحال من أول الشهر إلى نهايته، أو أن يكون في شوال كما كان في العشر الأخيرة من رمضان، يحيي ليله ويوقظ أهله، ويشد مئزره؟!
نعم، أن تحث الناس على عدم الانتكاس المعاكس للحال شأن، وأن تطلب منهم أن يواصلوا العمل الجاد المتفرغ للعبادة والخير شأن آخر.
وهذا أيضا واضح الدلالة لمن تأمل حديث حنظلة - رضي الله عنه - حين قابله الصديق وسأله عن حاله، فقال له نافق حنظلة، وعلل جوابه باختلاف حاله عند رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وحاله بين أهله وعياله وضيعاته، ولم ينكر عليه الصديق مقولته، بل أيدها بأنه مثله في الحال، وأيدهما النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أيضا حين أخبرهما بأن حالهما لو دامت - ولن تدوم - لصافحتهما الملائكة في الطرقات، ولكن وهو المهم قوله: ولكن يا حنظلة، ساعة وساعة.
وهذا هو الدين الصحيح الموافق للواقع، والمبين لليسر ورفع الحرج، ساعة وساعة، فلكل وقت عبادته، وكما يقال في المثل: "كل وقت وله أذان"، فلا يمكن للمرء أن يكون في العيد المأمور فيه بالفرح والسرور كما كان في ليلة السابع والعشرين من الخشوع والتضرع، ومن ساوى بين الحالتين فقد طلب من الناس ما لا يستطيعون، وخالف الحال عقلا وشرعا.. هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/2069956]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]