سؤالٌ يراود الجميع، كيف تنتقل إلينا المعرفة؟ وهل هي محصورة في حواسنا الخمس أو أنها تتجاوز إلى أبعد من ذلك؟ هذا ما سوف نناقشه في هذه المقالة ولعلنا نصل إلى شيء من ذلك، من خلال الأنساق المعرفية التي تحيط بنا وتتواد إلينا، فالوجود ممتد بحضور مكثف وغنيٌ بالمعارف، ولا تغيب المعرفة إلا باختيارنا وبإرادتنا ورغبتنا عندما لا نتأمل هذا الوجود، ولا نقّرؤه بوعي وفطنة، حينها نكون قد انتقلنا ضمن دائرة الصد المعرفي وخذلان الذات، وأوصدنا حالة الوعي بعدم التفاعل مع المعرفة وأنساقها التي تحيط بنا، لان التفاعل واسترعاء النظر تدفع بنا إلى حالة من التجليات والكشف المعرفي سواء كان ذلك في الطبيعة أو الكائنات أو الوقوف على الأنساق المشهدية والتعبيرية المتعددة في مسرح الحياة، كل هذا الزخم الهائل كفيل بأن ينقلنا من طور لآخر من المعارف، وهكذا تتسع المعرفة ويزيد حضورها بفضل قوة التفاعل بين الإنسان والموجودات بأنساقها المتباينة، وعند ذلك تتكون لدينا الرؤى والمعارف، وهذا هو التفاعل الحقيقي الذي يجب أن يعيشه الإنسان بعقله ومشاعره وأحاسيسه (أم على قلوبٍ أقفالها) وهكذا تتسع دائرة المعرفة في تبادل معرفي ملحوظ، وعند ذلك يرقى الإنسان في مرتبة تالية يدرك فيها بعين العقل والبصيرة ما هو غير مرئي فضلا عن المرئي، ولهذا عُني القران بالدعوة للنظر في ذات الإنسان وفي الآفاق (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) الذاريات ـ الآية 21، فالآية هنا تخرجنا من حالة التبعية للولوج إلى مضامين إعمال العقل للوصل إلى انساق المعرفة المــختلفة والمتعددة على قـاعــدة (أولم يروا)، فدلالة النظر في الآية السابقة ليست نظرة مجردة بل نظرة متأملة غارقة ببعد فلسفي عميق تُوصل الإنسان إلى معان متعددة قد يكون من أهمها استقلال الشخصية بفكر نير والانعتاق من قيد الوهم ليمضي في أفق رحب واسع يمنحه الرؤية الحقيقية لكل معاني وتفاصيل هذا الوجود.
إن تفاعل الإنسان مع كامل محيطه هو الذي يضعه ضمن دائرة المعرفة وبالتالي يدخل في إطار المرحلة التراكمية للمعارف فما يحرزه اليوم يكون ضمن سجل المعلومات يشارك به ويتعامل معه من خلال تفاعل بدهي معتاد في يومه ويتعامل به في معرض حياته اليومية، بينما يراها الآخر المقابل أنها معلومات مهمة وحضور وافر ورصيد معرفي يستحق أن نتوقف عنده وهذه المعرفة هي في واقعها معلومات مكتسبة يمكن أن يكتسبها الجميع حال الحرص والاهتمام بالمعرفة واستتباعا لذلك نجد أن مصادر المعرفة تتعدد منها ما يأتي بحالة إلهامية ويتوارد هذا الإلهام بشكل تلقائي عفوي (حدس) بحاسة سادسة يختار من خلالها الإنسان ما هو أفضل ويتناسب مع اللحظة وفي سرعة متناهية تستبق التفكير العقلي وهذا الإلهام يعيشه الجميع وهو أحد انساق المعرفة التي يعيشها الإنسان خلال يومه ويتكرر ذلك طوال حياته، كما أن هناك انساقا معرفية تأتي من خلال الأصوات غير المنطوق فهناك ما هو مُطرب وآخر مزعج وبين كل بعد وآخر تجد حالة من الاتساع لتنوع الأصوات وانتقاله إلينا واترك تداعيات تلك الأصوات وأثرها في الحزن والفرح لواسع النظر، للخيال الواسع عند القارئ الكريم الذي يغني عن الشرح لتكملة المراد من الكلام، ليستلهم ما يرى في مؤداه النهائي أنه أحد أشكال المعرفة التي يجب أن نتوقف عنده ونستمتع به أو نحذر منه.
أخيرًا وفي هذه العجالة لعلي قدمت ما يفيد ويروق لكم كمشروع معرفي ثقافي نتحول من خلاله إلى استدعاء كل انساق المعرفة من حولنا لتتجلى لنا بإشراقات نورانية تمحو حالات الغبش وتزيل حالات الإعتام في كل رؤيتنا لأنساق المعرفة.




http://www.alriyadh.com/2069952]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]