بينما تُنصت لتجربة أليمة، تجربة صراع طويل مع المرض، وليكن ذاك الخبيث، تبذل قصارى جهدك لتقول لقريبك أو صديقك المصاب أنك تتفهم ما يشعر به، بينما الحقيقة أنك بعيد عن شعوره، لأن الخوف الذي يعيشه ليس ذاك الذي يمكن تفهمه بل هو خوف حقيقي لا يمكن أن يتصوره إلا من عايشه وكافح في مقاومته.
صورة أقرب؛ لو أنك مررت بتجربة التعرض لحادث مروري وارتطم رأسك بمقود السيارة، فإن التجربة الحقيقية ما هي إلا ذاك الجزء من الثانية الذي اجتمعت فيه كل مشاعر الهلع والألم والارتطام، في المسافة التي قطعها رأسك باتجاه مقود السيارة، قبل ذلك وبعده ليس إلا سردٌ مكرر تحاول فيه أن تضخم من الحادث وتفصل الأحداث لتصف شعورك لحظة خوفك من الموت.
الموت عطشًا ليس نهاية تتم في جزء من الثانية أو قصة بلا تفاصيل كثيرة لتقول (مات عطشًا)، هي نهاية طويلة تبدأ بالصدمة عندما تدرك أن هذا العالم الذي تشغل ثلثيه المياه لا يستطيع أن يمدك بشربة ماء، ثم تعتقد أن الماء خلف تلك التلة، ثم تعتقد أن بإمكانك المشي باتجاه القبلة ثم تعتقد أن الليل لا يصلح للمشي، ثم في الصباح تعتقد أن الأفضل لك البقاء في مكانك لتوفّر طاقتك حتى تأتي المساعدة، ثم تطول ساعات الانتظار ثم تصاب بالخوف ثم تبكي من تعاسة النهاية، ثم تبدأ بفقدان الأمل حتى تصبح عاجزًا عن الحركة في صحراء شاسعة، الساعات فيها تغدو أيامًا لا نهاية لها.
في الأخبار؛ لو كنت تسكن وعائلتك في عمارة بغزة، أو تمر بنقطة تفتيش في الخرطوم، أو لا تدري من الطارق في حي من أحياء مدن الشمال السوري؛ فإنك حتمًا تعرف شعورًا حقيقيًا لا يمكن وصفه أو مقارنته، ذاك الشعور بالتصالح مع كل صدوف الحياة التي أقلها الخوف من الموت العبثي.
أيضًا؛ ماذا لو كنت في رحلة سفاري في عمق السافانا الأفريقية، ثم توقفت القافلة في منتصف الطريق؟
لماذا أنت خائف؟
قافلة تتوقف في منتصف الطريق ثم تواصل المسير.
إنه شعور مواجهة الخوف، مواجهة "لعنة الإنسان" حيث يبدو الزمن وكأنه كابوس فضيع، أو سواد سحيق لم يبلغ حده الأقصى أحد؛ لكننا نستيقظ منه بمعجزة تعيد لنا الإحساس بالحياة وبحجمنا الحقيقي.. ضعفنا وعجزنا.. ومدى تفاهتنا.




http://www.alriyadh.com/2071430]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]