إن مواصلة الولايات المتحدة تقديم المساعدات العسكرية لإسرائيل التي تنتهك القانون الدولي، وتمارس الإبادة الجماعية والتدمير الشامل، يشجع إسرائيل على تجاهل القرارات الدولية الداعية للسَّلام، ويعطل إقامة دولة فلسطينية، ويعزز من حالة عدم الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي..
رَفع راية حقوق الإنسان في كل محفل دولي، رَفع شعارات العدالة والمساواة والحقوق العامة، المُناداة الدائمة بأهمية تطبيق قواعد القانون الدولي وما تتضمنه من قيم ومبادئ هدفها تعزيز السلم والأمن والاستقرار الدولي، المُناداة بحرية الشعوب وحقها التام بالاستقلال والسيادة، دعم وتبني السياسات الرأسمالية المُطالبة بتحقيق الرفاه والرخاء والتكامل الاقتصادي بين المُجتمعات والدول، المُناداة بدعم الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي، تأييد وجود وفعالية المؤسسات والمنظمات والهيئات الدولية، المُناداة بنشر الديمقراطية وما تحمله من قيم ومبادئ تعزز العدالة والمساواة في المجتمعات والدول، جميعها سياسات، أو شعارات، تعبر عنها، أو ترفعها، الولايات المتحدة الأميركية في خطاباتها السياسية التي توجهها للداخل الأميركي عبر مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية، أو توصلها للمجتمع الدولي عبر المنابر الدولية التي تشارك فيها أو تستضيفها فوق أراضيها. نعم، إن هذه السياسات، أو الشعارات تمثل بحسب صانع القرار الأميركي القيم والمبادئ السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحقوقية التي يؤمن بها المجتمع الأميركي، وتفرض وجودها في السياسة الأميركية، وتسود التوجهات العامة الصادرة عن الولايات المتحدة. نعم، وانطلاقاً من هذه القيم والمبادئ الأميركية التي تم تسويقها سياسياً واقتصادياً وثقافياً وإعلامياً وأمنياً وعسكرياً، وفي وغيرها من أدوات تسويقية، أصبحت الولايات المتحدة، في نظر الرأي العام الدولي، الدولة النموذج التي يُتطلع لها لتحقيق العدالة والمساواة التي تبحث عنها الشعوب المظلومة والمُحتلة، وظهرت وكأنها الدولة الوحيدة القادرة على نُصرة حقوق الانسان بِغَض النظر عن دينه وعرقه ولونه، وتعززت مكانتها الدولية والعالمية كقوة، قطبية وحيدة، قادرة على فرض قواعد القانون الدولي وأحكامه على جميع المستويات الدولية. فإذا كانت هذه هي الصورة الجميلة التي تظهر فيها الولايات المتحدة أمام المجتمع الدولي على جميع مستوياته، فهل ذلك يعني أن هذه الصورة حقيقية ويُصادق عليها الواقع؟ أم أنها صورة فيها الكثير من التناقضات بين الصورة الجميلة والواقع المُعاش بحيث إن السياسات تتناقض مع الشعارات التي ترفعها الولايات المتحدة؟ بمعنى آخر، هل تُؤمن الولايات المتحدة بالقيم والمبادئ والشعارات التي تُنادي بها في سياساتها الخارجية، وتتبناها في خطاباتها السياسية في المنابر الدولية والعالمية؟
نعم، إننا أمام تساؤلات غاية في الأهمية انطلاقاً من مركزية الولايات المُتحدة في السياسة الدولية والعالمية كونها قُطباً أُحادياً يُهيمن على النّظام الدولي ويُؤثر في قراراته ومساراته بجميع الاتجاهات، بالإضافة لما تتمتع به من قدرات وإمكانات سياسية واقتصادية وصناعية وأمنية وعسكرية وتقنية وتكنولوجية ومالية ومادية، وغيرها من قدرات، تُمكنها من التأثير المباشر والرئيس في حركة السياسة الدولية والعالمية. وإذا كانت هذه التساؤلات تُمثل أهمية كُبرى، سواءً للاعتبارات السابقة أو لاعتبارات تتعلق باهتمامات وتطلعات الرأي العام الدولي، فإنها كذلك تُمثل أهمية كُبرى لدى الرأي العام العربي والإسلامي بشكل خاص، والعالمي بشكل عام، انطلاقاً من المواقف السياسية الأميركية السلبية تجاه القضية الفلسطينية عموماً، ودعمها غير المحدود للمجهود العسكري والحربي الإسرائيلي تجاه قطاع غزة مُنذُ الـ 7 من أكتوبر 2023م. نعم، إن الرأي العام العربي والإسلامي والدولي يجد نفسه في حَيْرَة عندما ينظر للتناقضات القائمة بين القيم والمبادئ التي ترفعها وتنادي بها الولايات المتحدة، وبين سلوكياتها وممارساتها وسياساتها تجاه الحقوق الفلسطينية المسلوبة بشكل عام، وتجاه الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل تجاه قطاع غزة. وإذا كانت هذه التناقضات الصَّادرة عن السياسات الأميركية تجاه الحقوق الفلسطينية ليست بالجديدة، إلا أن تصاعدها واستمراريتها حتى وقتنا الحاضر، الذي يشهد فيه قطاع غزة إبادة جماعية ومأساة إنسانية غير مسبوقة، يُعزز من أهمية هذه التساؤلات حول موقف الولايات المتحدة من الحقوق الفلسطينية المشروعة في دعم جهود السَّلام والاستقلال والعيش الكريم بدولتهم المُستقلة والتي تتوافق تماماً مع القيم والمبادئ التي تنادي بها الولايات المتحدة في سياساتها الخارجية.
نعم، لقد وجد الرأي العام العربي والإسلامي والدولي نفسه أمام سياسات أمريكية تتناقض تماماً مع القيم والمبادئ التي تدعو لها والشعارات الإنسانية والحقوقية التي ترفعها أمام المجتمع الدولي. ففي الوقت الذي ينتظر فيه الرأي العام والمجتمع الدولي مواقف وسياسات أمريكية تطالب إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية التي دمرت قطاع غزة وقتلت وجرحت مئات الآلاف وشردت الملايين من الفلسطينيين، تتقدم الولايات المتحدة بالمُساعدات المالية والمادية والعسكرية والاقتصادية والصناعية واللوجستية لدعم المجهود العسكري الإسرائيلي لتواصل حربها الشاملة على قطاع غزة المُحاصر. وهذا الذي أشار إليه الخبر في موقع الـ CNN عربي، في 20 أبريل 2024م، والذي جاء فيه الآتي: "وافق مجلس النواب الأميركي، السبت، على حزمة المساعدات الأمنية الجديدة لكل من إسرائيل وأوكرانيا ودول أخرى. وأقر المجلس حزمة المساعدات الأمنية الإضافية لإسرائيل بأغلبية 366 صوتا مقابل 58. وتوفر حزمة مجلس النواب 26.4 مليار دولار لمساعدة إسرائيل، مع تحديد أن الأموال ستدعم "جهودها للدفاع عن نفسها ضد إيران ووكلائها، ولتعويض العمليات العسكرية الأميركية ردا على الهجمات الأخيرة".
ويشمل التمويل 4 مليارات دولار لنظامي الدفاع الصاروخي الإسرائيلية، "القبة الحديدية" و"مقلاع داود"، و1.2 مليار دولار لنظام الدفاع "الشعاع الحديدي"، الذي يتصدى للصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون. كما تشمل الحزمة 4.4 مليارات دولار لتجديد المواد والخدمات الدفاعية المقدمة لإسرائيل، و3.5 مليارات دولار لشراء أنظمة أسلحة متقدمة وعناصر أخرى من خلال برنامج التمويل العسكري الأجنبي. وستحظر الحزمة إرسال الأموال إلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا) التي تدعم اللاجئين الفلسطينيين والتي تعرضت للنقد بعد أن زعمت إسرائيل أن بعض موظفي الوكالة كانوا متورطين في هجوم حماس في 7 أكتوبر الماضي. ويتضمن البرنامج أيضا 9.2 مليارات دولار من المساعدات الإنسانية - بما في ذلك الأغذية الطارئة والمأوى والخدمات الأساسية - للسكان الذين يعانون من الأزمات." وفي الوقت الذي ينتظر فيه الرأي العام والمجتمع الدولي مواقف وسياسات أمريكية تطالب بحل الدولتين وفقاً للقرارات الدولية الصَّادرة عن مجلس الأمن ولمبادرة السلام العربية، بحيث تكون دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية إلى جانب دولة إسرائيل، عملت الولايات المتحدة على تعطيل مشروع قرار، هدفه الاعتراف بدولة فلسطينية وفقاً للقرارات الدولية، من خلال استخدامها لحق النقض في مجلس الأمن لتواصل الولايات المتحدة سياساتها المؤدية لاستمرارية معاناة الفلسطينيين بعدم وجود دولة معترف بها، وبضياع فرصة جديدة من فرص السَّلام التي عطلتها جميعها السياسات الأميركية السلبية تجاه الحقوق الفلسطينية. وهذا الذي أشار إليه الخبر الوارد في الموقع الرسمي للأمم المتحدة في 18 أبريل 2024م، والذي جاء فيه الآتي: "استخدمت الولايات المتحدة الأميركية حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار جزائري يوصي الجمعية العامة بقبول دولة فلسطين عضوا في الأمم المتحدة. صوت لصالح القرار 12 عضوا من بين أعضاء المجلس الخمسة عشر، وعارضته الولايات المتحدة وامتنعت عن التصويت المملكة المتحدة وسويسرا."
وفي الختام من الأهمية القول إن المواقف والسياسات الأميركية الرافضة لإقامة دولة فلسطينية، والداعمة للممارسات العسكرية الإسرائيلية المُتطرفة تجاه قطاع غزة، تؤكد عدم إيمانها بقيم العدالة والمساواة والسّلام وحقوق الإنسان، وتدلل على انحيازها للظالم ضد المظلوم، وتساهم بتشويه صورتها أمام الرأي العام الدولي. نعم، إن مواصلة الولايات المتحدة تقديم المساعدات العسكرية لإسرائيل التي تنتهك القانون الدولي، وتمارس الإبادة الجماعية والتدمير الشامل، يشجع إسرائيل على تجاهل القرارات الدولية الداعية للسَّلام، ويعطل إقامة دولة فلسطينية، ويعزز من حالة عدم الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي. فهل تُدرك الولايات المتحدة سلبية مواقفها على حالة الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي؟ وهل تدرك أن هذه السلبية تجاه القضية الفلسطينية من شأنها أن تساهم بتصاعد الفرص المؤدية للتطرف والإرهاب على جميع المستويات الدولية؟.




http://www.alriyadh.com/2071623]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]