مقاييس المحاكاة السيئة، والتشبه المكروه، والتقليد السقيم التصق بثقافة الكثير وفلسفته، التي أبعدته عن قيم دينه القويم، وأقصته عن واقع الحق والفضيلة، المرء لا يحمل وزر غيره، مع ذلك أصر بعضهم إلا أن يحمّل الآخر مبرر سوء عمله، لقد أنتج هذا الواقع أفراداً لا يملكون رشداً ولا إدراكاً فكان المجتمع هو الضحية..
أنت لك خياراتك، ولك قناعاتك، ولك سلوكك.. ولك عقلك، وقلبك، ووعيك.. أنت تشكل ذاتك من علمك واتجاهاتك وتتجه بنفسك نحو مجريات الحياة فلا تحتاج إلى عقل غيرك أو سلوكهم لتفهم ما يمكن أن تكون عليه، ولا يرغب أحدنا أن ننقاد نحو ما يريده، ويفعله الآخر ويختاره، فما بين حياة عامة تحيا فيها بكل مسار وحياة خاصة تعقد فيها ما تريده وتتبعه لنتنطلق..
العقل المتماسك لا يخضع للتأثير الفارغ، ولا يقبل بالتقليد المائل.. حقيقة استقلال الذات تنطلق من ثبات الوعي واتزان العقل ولا يمكن لأي فرد أن يحظى بقيمة ذاتية وهو يضع سلوكه بين أصابع الهزيمة النفسية ولا يمكن لأي شخص أن يرتاح في حالة عيشه وهو يراقب من حوله ويتعلم من أفعالهم بلا فرز للحق والباطل والصائب والخاطئ والصحيح وغيره، فبعضنا يحمل داخله شعارات الضعف حينما يفكر بعقل غيره ونواياه ويواصل حياته مرتبكاً بين خيارات وقناعات وأهواء الآخرين.
"الكل يسوي كذا" عبارة أو لازمة خادعة ومريبة يرددها الكثير ليبرر لنفسه ما يفعله من سيئ الفعل، ويخدع غيره بسيئ القول، عبارة غير مستقيمة، مملوءة بالفراغ، ومفرغة من العقل، يرددونها بكل سهولة وهي صعبة، ويكررونها في كل موقف بلا مبالاة.
"الكل يسوي كذا" ذلك القانون الذاتي الكريه، والسلوك الذهني الخائب، الذي يلغي خصوصيتنا، ويعطل تفكيرنا، ويشتت خياراتنا، ففي الجانب النفسي "الكل يسوي كذا" هو تفصيل لمفهوم "الإمّعة" المائل، فحتى الإمّعة هو الذي يحسن إذا أحسن الناس ويسيء إذا أساؤوا، ولكن صاحب قانون "الكل يسوي كذا" هو يسيء في كل الأحوال، وفعله تطبيق حي لمصطلح الاستلاب، وفي جانب العلم "الكل يسوي كذا" هي جملة قد تصفع العقلاء بمنطق الجهلة، وهي مقولة تبرز الجهل في قالب الوهن.
وفي جانب السلوك "الكل يسوي كذا" قد تقود إلى شيء من الفساد والإفساد في مستويات مختلفة، يكذب أحدهم كذبته ويردد "الكل يكذب كذا"، يخون أمانته ويقول "الكل كذا"، يرتشي ويبرر بأن "الكل والأمور ما تمشي إلا كذا"، يلف ويدور ويذكر بصخب كل الذين "حولك كذا"، يفسد هنا وهناك ويضج بجملة "الكل يعمل كذا"، يخدع ويحتال وينصب ومعياره "الحياة تبغى كذا والكل يسوي كذا"، و"مصالحك ما تحصل عليها إلا كذا".
هكذا بدا المشهد، فمقاييس المحاكاة السيئة، والتشبه المكروه، والتقليد السقيم التصق بثقافة الكثير وفلسفته التي أبعدته عن قيم دينه القويم، وأقصته عن واقع الحق والفضيلة، المرء لا يحمل وزر غيره، مع ذلك أصر بعضهم إلا أن يحمّل الآخر مبرر سوء عمله، لقد أنتج هذا الواقع أفراداً لا يملكون رشداً ولا إدراكاً فكان المجتمع هو الضحية، وتعززت مشاهد الانفلات النفسي، والتدني الأخلاقي في كثير من مجتمع نظن أن أغلبه مجتمع متدين ومحافظ على فضائل التوجيه الديني.
وبسوء أثّرت هذه الصور وتلك الأساليب عند الكثير على مبادئ جليلة تكون بين البر والقناعة والتقوى والأمانة، فجعلت بعضهم يتسلح بمبرراته الواهية، حيث يرى أن تردي الأمور وانتشار المرفوض، وتفشي الممنوع كان مبرراً لأن يفعل ما يريد، ونظامه "الكل يسوي كذا" فغدوا لا يعون ما يفعلون، وصار منطقهم قاصراً بحدود منافعهم، وبمنتهى مصالحهم، وبغاية أهدافهم.
ويبقى القول: حين تعتركنا الحياة وعاطفتنا مسلوبة بسبب تأثير قناعات خشنة تموج بنا في إشكالات ذاتية تصعّب عيشتنا لأننا بل لأنهم لم يسمحوا بأن نعيش حياة طبيعية بملكنا وحقيقتنا وطاقتنا وقناعاتنا.. والمشكلة القصوى أننا نتجاهل قوله عز وجل "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" ولا نستشعر المعنى الجليل فيها، ولا نستوعب مضمونها القيّم، هنا سنكون خاسرين بكل المعايير ولن تكون حياتنا سهلة ما دامت قوانين الآخر الخاصة تقودنا تقليداً واتباعاً.




http://www.alriyadh.com/2072041]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]