تأتي مفردة «القوة» من وجهة النظر الاجتماعية بمعنى أشمل وأوسع وأعمق، فالقوة مصطلح محوري يحرك الحياة أو يوقفها أو يوجهها، فعلم الاجتماع لا ينظر إلى القوة من زاوية واحدة بل ينظر إليها من عدة زوايا ومن خلال حقائق وجودية واجتماعية وثقافية وأدبية متعددة. القوة تعني التوجيه أو التحكم والسيطرة ولكنها ليست سيطرة ذات شكل واحد، وهي إذا لم تستخدم في مقامها ومكانها كانت قوة هدم وإن كانت في أساسها قوة بناء، وفي بعض أشكالها مسلمة من مسلمات البقاء.
وإذا تحركنا من خلال البناء الاجتماعي لنتعرف على المعاني والمكامن المختلفة للقوة، فسنجدها في كل تفاصيل المجتمع ابتداء من الأسرة التي قد تتعدد فيها مراكز القوى فعلى سبيل المثال الأب والأم والأخ الأكبر مراكز قوى معتادة، وهذه القوى غير ثابتة فقد تتحرك باتجاه أحد هذه العناصر على حساب البقية، وقد يأتي أحد أفراد الأسرة من غير هذه الثلاثية ليكون هو من يشكل القوة داخل الأسرة إما بسبب شخصيته أو مكتسباته من تعليم أو وظيفة أو مال، وليس مركز القوة هو الأهم بل طبيعة استخدام هذه القوة داخل الكيان الأسري.
وعلى مستوى القوة الاقتصادية والعسكرية نجد أن بعض الدول الرأسمالية تُختزل الكثير من قوتها في بنائها الاقتصادي ونفوذها العسكري، مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، ونجد في بناءات اجتماعية أخرى أن البناء القبلي والعصبة هي القوة الرئيسة، مثل: الجمهورية العربية اليمنية.
وإذا تحركنا وفق هذا المسار سنجد أن هناك للأدب والفن داخل البناء الثقافي والاجتماعي سطوته التي قد لا يستثنى منها أي مجتمع، هذه القوة التي تعطي المجتمع وبناءه الثقافي والاجتماعي توازنه الجمالي والإنساني والوجودي، وتكون مهددة أو مدعومة من قبل تكوين داخلي في بنائها، وهو البناء النقدي الذي يمثل قوة حقيقية بمفهومها البنّاء أو المقوّض والهدّام، فتوظيف النقد داخل البناء الاجتماعي والثقافي لتتبع إخفاقات المجتمع على حساب نجاحاته سيكون عامل هدم لا عامل بناء وكذلك إعمال الأداة النقدية في تتبع هفوات الفنون والأدب المتمثل في كاتب أو ممثل أو فنان أو صفحة ثقافية أو فيلم أو أغنية أو رواية أو قصيدة أو أي منجز فردي أو اجتماعي لا يضيف بل يربك المشهد ويظهر نقاط الضعف على حساب نقاط القوة.
إن إعمال أداة النقد يؤمل أن يكون للنقد وليس للانتقاد حتى لا يتحول الناقد إلى هادم بدلاً من أن يكون جزءاً من عملية بناء وتطوير، وقد لا حظنا على مستوى الكتابة الإبداعية على سبيل المثال تردد بعض من يملكون ملكة حقيقية من الظهور خوفاً من ذلك الناقد الهادم المتخيل، ورغم ما للنقد من أهمية لكن بعض النقاد حوله إلى هامش ثقافي، والحل أن يكون الناقد على قدر مسؤولية الأداة النقدية التي يحملها، وأن ينظر إلى مكامن الجمال قبل مواضع الضعف والخلل، وإلا فإنه لن يكون ذا قيمة ثقافية بناءة، وستوظف قوته الكامنة في إمكاناته وأدواته النقدية في غير أماكنها الصحيحة.
وضع الأداة على مكامن الضعف والخلل أمر مطلوب لتطوير العمل وتقوية البناء، ولكن باتزان وموضوعية تشير إلى مواطن الضعف وتشيد بما يستحق أن يشاد به.




http://www.alriyadh.com/2072185]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]