المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خلوة



المراسل الإخباري
11-21-2016, 15:22
عندما نختلي بالشاشة الفضية¡ يضمحل الكون حولنا ونغطس بين أكمام العتمة المهيبة¡ التي تمنحنا طمأنينة الرحم¡ ونضارة العالم في صيغته الأولى.
في قاعة السينما ندس أسلحتنا التي نشهرها عادة في وجه تجهم العالم وقسوته¡ نغيب الأسلحة تحت المقاعد¡ ونلوذ بنسيج المخمل المخلة بمواثيق المحارب¡ والمتخلية عن جهازها المناعي¡ من أجل خلوة مع جلالة الشاشة.
وتغدو تلك المساحة التي تفصلنا عن الشاشة مزدحمة¡ بصوت الخطوات¡ قعقعة الأسلحة¡ تهدج الأنفاس¡ وعندما يقرع الجرس يستيقظ جرس عميق بأعماقنا¡ ويبدأ بدوره في الهدير¡ يدلنا على درج الأقبية المتوارية¡ والصناديق المؤصدة¡ لنخرج في النهاية من قاعة السينما بهوية هجينه¡ بين ما كناه وما أصبحنا عليه.
فإكسير ثقافة الصورة عندما ينسكب على عقل العالم¡ يفكفكه ويعيد إنشاءه كرة أخرى وفق شفرته الجينية الخاصة.
الصورة تنتمي إلى نظام معرفي¡ منفصل تماما عن النظام المعرفي للكلمة فكما يقول المفكر المغربي د.محمد سبيلا (فالكلمات¡ سواء كرموز مكتوبة أو كرموز منطوقة¡ تنتمي إلى جهاز رمزي إحالي¡ يعتمد التأويل¡ أي تشغيل الآليات الذهنية من خلال قدر معين من التجريد. وبهذا المعنى فالصورة¡ ببهائها وألوانها الزاهية¡ لا تتطلب مجهودا كبيرا في التلقي خارج مجهود التركيز على التسلسل الزمني والمكاني. فالصورة ذات بعد هيدوني لذي بل إيروتيكي¡ إنها جذابة¡ مغرية¡ توحي بالاسترخاء ومتعة التلقي. فرسالتها متضمنة فيها¡ أو قل الصورة هي ورسالتها نفس الشيء. أما الكلمة فتتطلب قدرا من العناء والنص¡ على العموم¡ من حيث هو متوالية كلمات¡ يتطلب تفكيك العلاقات القائمة بين الكلمات. الصورة تعطي دفعة واحدة بينما تقدم الكلمة نفسها على هيئة سلسلة متلاحقة من الصوتيات (الفونيمات) والمورفيمات والوحدات الدلالية¡ والجمل والفقرات).
إذاً الصورة مكتسحة¡ مهيمنة¡ عاتية¡ تيار لجب يأخذ في طريقه جميع الحواجز.
صنعت ثقافة الصورة حالة من الاستقطاب الثقافي¡ بمساحات جماهيرية واسعة¡ لتمرر قوانين الغزاة دون أن تجابه بكبير مقاومة.
المفارقة بأننا مابرحنا نقف على مسافة حذرة من السينما¡ مع معطف المتردد المتوجس¡ بينما ثقافة الصورة هي ابنة لزمن (الحداثة السائلة)¡ لا تتوقف للحصول على قبس من نار¡ أو ضوء أخضر يأذن لها بالمرور¡ ولكن طابعها المكتسح العنيف¡ أصبح يتسرب إلينا من جميع الفتحات التي نطل منها على العالم.
محلياً لا نستطيع أن نقول لا يوجد لدينا سينما سعودية¡ بل هناك أفلام تصور¡ وأخرى تكتب¡ وأفلام تنافس في مسابقات دولية¡ ومهرجانات أفلام محلية¡ ودُور عرض منزلية.. لكن فقط ليس لدينا دُور عرض عامة.
لا أعتقد أن هذا الأمر يستطيع أن يوقفنا عن المنافسة والاستزراع في هذه الأرض فائقة الخصوبة.
10 دقائق من فيلم مهني مبدع بمواصفات عالية¡ باستطاعته إن يقارع عشرات الساعات من النشرات الإخبارية المسيئة.
فداخل تلك الخلوة الجليلة المهيبة¡ يصبح الجميع مستلبي الوعي والمقاومة.. ليحدث السحر.




إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1549177)