المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (ص.ب: 1003 )



المراسل الإخباري
11-25-2016, 06:21
وأنا في مدينة الرياض اسأل نفسي ماذا لو توقفت الإنترنت وفقدنا خدمة البريد الإلكتروني أو أي وسيلة تواصلية سريعة¡ هل سنستسيغ العودة لتبادل الرسائل المكتوبة بخط اليد¿ وهل يا ترى سنستطعم هذه الرسائل المعقود في خاصرتها تاء مربوطة أو نون معقوفة¿ كم من المدة يا تُرى سأنتظر كتاباً أو رواية تأتيني في البريد العادي من الإمارات مثلاً¿ كل هذه التساؤلات تلبستني عندما انتهيت من قراءة رواية (ص. ب:1003) للشاعر والقاص والروائي الإماراتي سلطان العميمي¡ حيث زمن الرواية في الثمانينيات الميلادية¡ وقت المراسلات قبل ظهور البريد الإلكتروني تأتي البطلة (سلمى أو صاحبة الاسم المستعار عليا) التي تكمل دراستها في لندن¡ والشاب (عيسى بن حشيد) الذي تراسله في الإمارات في مدينة الذيد¡ حيث الأقدار لم تمهل الشاب وتوفي في حادث سيارة¡ لتبدأ القصة تأخذ مسارها بشكل عكسي انتهازي¡ ويأتي موظف البريد الذي باع قيمه وأخلاقياته ليتقمص شخصية الشاب المتوفى (عيسى) ويراسل الفتاة¡ وتبدأ الأحداث غير المتوقعة في الرواية ومع شخصية صندوق البريد الذي يشرح مشاعره أضاف للرواية جواً من الظرف والغرابة والإدهاش¡ وشيطان سلمى الماكر الضعيف¡ والكثير من الأحداث المتسلسلة اللطيفة¡ إلا أن العميمي استطاع في هذه الرواية أن يفتح الباب للحديث عن التعامل مع الآخرين واكتشافهم من الداخل بنزعاتهم الخيرة والشريرة¡ حيث السلوك المختلف¡ والأحداث الكثيفة والتي تجاوزت كثافة الحياة العادية¡ وسيناريو الرواية الذي يثرينا ويزودنا بمشاعر وأحاسيس لا تعوض وكأنه يجعل الحياة لها معنى¡ وهذا النوع من الفن يستلهم الجمال والعمق دائماً¡ ففيه تأمل ومعرفة بالعالم والأشخاص المحيطين بنا¡ شأنه شأن الفلسفة والعلوم الإنسانية¡ وقد تعلمنا من سيرفانتس عن الإنسان وحياته أكثر مما تعلمنا من علماء الاجتماع وعلماء النفس¡ وكذلك هذه الرواية حيث إن الأمر الأكثر أهمية من ذلك كله هو وجود إيحاء بسؤال يجري همساً: هل الإنسان كائن مخادع بطبعه¿ فإذا كانت الإجابة بالنفي¡ فلماذا يتقمص شخصية رجل مات بكل هذه النشوة الغامرة الغريبة وهذا الشعور المليء بالحيرة¿
بيد أن العميمي يطرح أسئلة تدور حول الإنسان برمته وكأنه يصف زمن باشلار الكائن¡ اللحظة¡ الانفصال¡ العزلة¡ الإبداع¡ الخلق¡ والحلم¡ فالذات تحولت إلى فاعل زماني¡ والزمن لا يوجد إلا بين ثنايا اللحظة المنعزلة¡ وانفتاح الإنسان على الزمان يستحضر الحب والعشق كما عند برجسون."لأننا نحب ونعاني فإن ذلك يحقق تآلفاً بين الزمان والخلود" "باشلار".
رواية مليئة بالشعور بـ الذنب والتردد والخوف والانطفاء بعد الامتلاء¡ خيل إلي وأنا انتهي من آخر كلمة في الرواية أنني أعود من مكان بعيد فيه الكثير من الحب والكثير من الخداع¡ وهذا نوع من الأدب يتماشى مع الحياة اليومية للقراء¡ فالأدب يجعل الإنسان يتعامل مع تجارب مختلفة وقد تكون فريدة¡ وعندما نقرأ الرواية فهي كتجربة الحديث مع إنسان واللقاء بإنسان¡ وبشر مختلفين¡ نتعرف على شخصيات جديدة¡ خيرة وشريرة¡ لطيفة متسامحة¡ أو حاقدة وبائسة¡ فهي تمثّل المدخل إلى وعينا وكينونتنا بطريقة أكثر دهشة¡ وقد أعطتنا هذه الرواية قدرة جديدة على التواصل مع بشر مختلفين وكأنها تصف شكلاً مختلفاً للعلاقات والمشاعر الإنسانية.




إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1549963)