المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نحن في المنفى



المراسل الإخباري
11-25-2016, 06:21
في اللحظات الأولى لحلول المصيبة تفتقد التركيز.. وتغيب عن الفهم.. ويتبدد إدراكك للأشياء كيف كانت وكيف أصبحت¡ تعتقد أنك تتعايش معه بمنطق الحاضر وبمنطق أنه حصل وأنه كان متوقعاً.. كل هذا التعايش اللا آني يكون من خلال اللاوعي الذي يفرز لحظة مليئة بالآخرين وبالوجوه التي لم ترها منذ زمن.. وبالبشر الذين يحضرون للمواساة منهم المتوقع ومنهم من لا تتوقع حضوره.. ومع كل ذلك الضجيج تستهلك نفسك دون إدراك أو وعي داخل لحظة لا تعرفها ولا تتذكرها بعد هدوء العاصفة.. لحظة مملوءة بالبشر ظاهرياً وعلى حدود النظر ولكنها فارغة تماماً على مستوى الداخل الإنساني.. ترى ولكن لا ترى.. تسمع ولكنك لا تسمع.. يبدو المكان الذي أنت فيه محاطاً بالآخرين وكأنه ليس مكانك وكل ذلك الاقتراب من البشر لن يغير اللحظة التي أنت فيها وتعجز عن قراءتها من داخل الصورة المدججة بالآخرين..!!
بعد غروب شمس من حضروا في الأيام المحددة¡ تبدأ في الدخول إلى لحظات الاستيعاب الحقيقية¡ لحظات الخوض في داخلك¡ والقراءة التي تستقيها من هدوء المكان القاتل¡ وذلك الفراغ الذي تركه الآخر ورحل¡ تبدأ بعد أيام من ملامسة داخلك وكأنه كان مغيبّاً تماماً بمرحلة الفرز¡ للزمن الذي تكسر وأنت تراه¡ الفرز للمكان البارد في عز ارتفاع درجة الحرارة والذي كلما تجمدت أطرافك داخله استوعبت أن البرودة داخلك والثلج الوهمي في المكان هو تجمدك وخوفك من فك رموز اللحظة الموجعة حتى داخل العظام..!
نحن في المنفى عندما نتألم.. ونحن في المنفى عندما نتوجع¡ ونحن في المنفى عندما يحاصرنا الغياب¡ ونحن في المنفى عندما يهزمنا الصمت أمام العجز المطلق عن الكلام¡ ونحن في المنفى عندما تضيق دائرة المكان وأنت في مكان يتسع للآلاف.. ونحن في المنفى عندما تكون في مكان ومع ذلك تشعر بأن الهاوية التي أمامك لا حدود لها.. ولا مساحة تحميك من السقوط.. نحن في المنفى عندما نفقد من نحبهم ولا يمكن أن نعوضهم أو نستبدلهم بآخرين.. لأنهم نسخة واحدة نسخة من الماضي ومن الحاضر ومن المستقبل¡ نسخة وحيدة لن تأتي ولن تكون غيرها مهما تعددت الوجوه وتكاثر من حولنا.. نحن في المنفى لأننا لا نستطيع أن نفسر اللحظة رغم أننا نؤمن بها ونرتضيها ونحمد الله سبحانه وتعالى من قبل ومن بعد "الحمد لله رب العالمين من قبل ومن بعد" رضيت بحكمك يارب لك ما أعطيت ولك ما أخذت" اللهم لا اعتراض على عليك وأنت أرحم الراحمين..!
غاب من نحبهم وذهبوا إلى من هو أفضل منّا¡ إلى حيث المستقر ولكنهم ظلوا معنا نجدد لهم محبتنا كل لحظة¡ نستأنس بوجودهم داخلنا عندما يضيق المكان فيتسع بتلك الملامح التي تعودنا عليها¡ غابوا ولكن الوعي بوجود أرواحهم حولنا لم يتغير بل هو أقوى وأكثر حضوراً في وجداننا¡ غابوا لكن نشأت حياة مشتركة معهم بعد الغياب تشبه التشبث بالوطن وإن غبت عنه.. غابوا لكن ظلت وستظل الذاكرة تفرز كل الصور التي معهم وكل اللحظات أكثر من الواقع وأعمق من الزمن الذي مضى وذهب.. غابوا لكن سيظل نص القراءة اليومي وجوههم وذلك الماضي الذي هو حاضرنا ومستقبلنا..!




إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1549971)