المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لمن كان له قلب



أمير الأحلام
10-12-2004, 12:29
إن شهر رمضان شهر ضيافة - حقيقة لا مجازا - ومن هنا سهل على

الضيف أن ( يحوز ) على عطايا من المضيف ¡ لا يمكن الحصول عليها

منه خارج دائرة الضيافة .. وليعلم أن هذه العطايا مبذولة من غير سؤال

كما هو مقتضى الضيافة من الكريم ¡ فكيف بمن ( يسأل ) ذلك ¿!.

وكيف بمن ( يلح ) في السؤال ¿!..

ومن هنا صارت ليلة ( العيد ) ليلة الجوائز العظمى ¡ ولطالما

غفل عنها الغافلون !!!

....................................

إن التسمية قبل الفعل - من الأكل وغيره - نوع ( استئذان ) من العبد

في التصرف فيما يملكه الحق ¡ وإن كان الأمر حقيرا عند العبد ¡ فالأمر

في جوهره وعند أهله المستشعرين للطائف العبودية يتجاوز مرحلة

الاستحباب .. وهكذا الأمر في جميع الحركات المستلزمة للتصرف في ملك

من أمـلاك المولى جل ذكره .. ولهذا فإن كل عمل غير مبدوء

بـ ( بسم الله ) فهو أبتر .. إذ كيف يبارك المولى في عبد لا ينسب عمله

!!إليه ¡ بل يتصرف في ملكه من دون ( إحراز ) رضاه ¿¿

....................................

إن الإنسان يعيش حالة خسارة دائمة ¡ إذ أن كل نَفَس من أنفاسه

( قطعة ) من عمره ¡ فلو لم يتحول إلى شحنة طاعة ¡ لذهب ( سُدىً )

بل أورث حسرة وندامة .. ولو عاش العبد حقيقة هذه الخسارة لانتابته حالة

من الدهشة القاتلة !.. فكيف يرضى العبد أن يهدر في كل آن ¡ ما به يمكن

أن يكتسب الخلود في مقعد صدق عند مليك مقتدر ¿!..

وإيقاف الخسارة في أية مرحلة من العمر - ربح في حد نفسه -

لا ينبغي تفويته ¡ فلا ينبغي ( التقاعس ) بدعوى فوات الأوان .. ومجمل القول

أن الليل والنهار يعملان فيك ¡ فاعمل فيهما ..

....................................

إن من اللازم أن نتعامل مع ( وقت ) الصلاة على أنه موعد اللقاء

مع من بيده مقاليد الأمور كلها .. ومع ( الأذان ) على إنه إذن رسمي

بالتشريف .. ومع ( الساتر ) على انه الزيّ الرسمي للـقاء ..

ومع ( المسجد ) على أنه قاعة السلطان الكبرى .. ومع ( القراءة )

على أنه حديث الرب مع العبد .. ومع ( الدعاء ) على أنه حديث العبد

مع الرب .. ومع ( التسليم ) على أنه إنهاء لهذا اللقاء المبارك

والذي يفترض فيه أن تنتاب الإنسان عنده حـالة من ألم الفراق والتوديع ..

ومن هنا تهيّب الصالحين من الدخول في الصلاة ¡ وأسفوا للخروج منها ..

....................................

إن كل نشاط وحركة ( جـدّ ) في الحياة ¡ لهو أقرب إلى ( اللهو ) والبطالة

إن لم يكن في سبيل مرضاته تعالى .. فما يمنّي به بعضهم نفسه بأنه مشغول

طول وقته بالبحث العلمي ¡ أو التجارة ¡ أو عمران البلاد ¡ أو سياسة العباد

أشبه بسراب يحسبه الظمآن ماء ¡ حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ¡ وذلك فيما

لو انتفى قصد القربة الذي يضفي الجدية على كل سلوك ..

وقد ذكر القرآن الكريم الأخسرين أعمالاً بقوله :

} الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا ¡ وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا {..

....................................

إن من المعلوم إيداع المولى في نفوس عباده ما يردعهم عن الفاحشة

وهو ما يعبر عنه بنداء الفطرة أو حكم العقل أو النفس اللوامة .. إلا أن

( تراكم ) الذنوب وعدم الاكتراث بتلك النداءات - بل العمل بخلافها -

مما ( يطفئ ) ذلك الوميض الإلهي ¡ فلا يجد الإنسان بعدها رادعا في باطنه

بل تنقلب النفس اللوامة إلى نفس أمّارة بالسوء ¡ تدعو إلى ارتكاب

بوائق الأمور إذ : } زيّـن لهم الشيطان أعمالهم {..

....................................

قد ورد أن ( التائب ) من الذنب كمن لا ذنب له ¡ لكـن ذلك لا يعني

المساواة في جميع الجهات لمن ( لم يذنب ) أصلا مع التعرض لمثيرات

الذنوب ¡ وخاصة بعد طول مجاهـدة في عدم الوقوع في منـزلقاتها ..

وعليه فـلابد من التفات العبد إلى أن بعض الدرجات ( التفضّلية )

قد يُحرمها العبد بعد ممارسة الذنب وان قبلت توبته ..

....................................

إن نداء المؤذن للصلاة دعوة صريحة ومؤكدة من الحق ( للمثول ) بين يديه

وذلك بالنظر إلى تكرر الفقرات في الأذان ¡ أضف إلى استعمال كلمة ( حيّ )

المشعرة بالتعجيل .. وعليه فعدم ( الاستجابة ) للنداء مع الفراغ من الموانع

يُعدّ نوع من عدم الإكتراث بدعوة الحق الغني عن العباد .. ولاشك أن تكرّر

هذه الحالة من الإعراض ¡ يعرّض العبد لعقوبة المدبرين - ولو من غير قصد -

كمعيشة الضنك التي قد تشمل مثل هذا المُعرض عن الذكر ..

وقد قال الحق تعالى :} من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا {

....................................

ليتوقع العبد شيئا من البلاء بعد كل توفيق ¡ كما يتوقع شيئا من التوفيق

بعد كل بلاء .. كموسم الحج ¡ أو شهر رمضان ¡ أو طاعة مقترنة بمجاهدة ..

والسر في هذا التعثر والسقوط الذي يعقب بعض التوفيق هو :

إما ( غيظ ) الشياطين وإرادتهم الانتقام منه حسدا لبني آدم فيكيدون له المكائد

بعد كل توفيق ¡ أو ( إرادة ) الحق لاختبار صدق العبد في الوفاء بعهد

العبودية .. فإن العبد في تلك المواسم يعاهد ربه على أمور كثيرة ثم لا يجد

المولى له عزماً ¡ رغم كل النفحات التي أرسلها على عبده من دون استحقاق

يُـذكر !!.. وبذلك يدرك العبد أن ما طلبه من الحق في تلك الحالات

إنما هو مجرد أمانيّ لم يشفعها ( بالطلب ) حقيقة ¡ فإن التمنّي حقيقة

تغاير الطلب كما هو واضح ..

....................................

إن من أرجى الآيات قوله تعالى :

} فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين {

والسر في ذلك أنها نازلة بحق اليهود وقبائحهم من عبادة العجل ¡ وكفران النعم

وقتل الأنبياء ¡ ونقض الميثاق ¡ مع ما رفع فوقهم من جبل الطور تخويفا لهم

كما ذكر في صدر الآية : } ورفعنا فوقكم الطور ... ثم توليتم من بعد ذلك {

فإذا استعمل الحق الودود ( أنّـاته ) مع هؤلاء القوم ¡ فكيف لا يستعملها

مع عُصاة الأمة المرحومة ( بشفاعة ) نبيها (ص) ¡ وهم دون ما ذكر

من قبائح بني إسرائيل بكثير ¿žžžžžžžžžžžžžžžžžžž?žžžž žžžžžžžžžžžžžžžž!.

....................................

ينحصر طلب الداعي في سورة الفاتحة - بعد مقدمات الحمد والثناء –

في ( الاستقامة ) على الصراط ¡ كما انحصر تهديد الشيطان من قبل

( بالقعود ) على الصراط المستقيم نفسه .. ومن مجموع الأمرين يُعلم أن

معركة الحق والباطل إنما هي في هذا الموضع ¡ والناس صرعى على طرفيها

وقد قلّ الثابتون على ذلك الصراط المستقيم .. ومن هنا تأكدت الحاجة للدعاء

بالاستقامة في كل فريضة ونافلة .. وليُعلم أن الذي خرج عن ذلك الصراط :

إما بسبب ( عناده ) وإصراره في الخروج عن الصراط باختياره وهو

المغضوب عليه ¡ وإما بسبب ( عماه ) عن السبيل وهو الضال !!!

....................................

قد يلتفت العبد إلى حقوق العباد خارج دائرة سيطرته .. ولكنه يضيّـع

حقوق القريبـين من رعيته ¡ وهم الضعيفان : الأولاد والنساء ¡ وذلك

( لاستسهال ) التعدي عليهم ¡ وعدم ( إطلاع ) الخلق على ظلامتهم

و( حاجتهم ) الشديدة إليه بما يمنعهم من الشكوى منه ..

ومن هنا لزم على العبد الحذر الشديد من غضب الحق فيمن

لا ناصر لهم إلا الله تعالى ..

....................................

إن من موجبات ( الإقلاع ) عن المعصية ¡ هو إحساس العبد بأن كل

ما حوله يسبح بحمد الله تعالى : إما بلسان حاله ¡ أو بلسان مقاله ..

فإنه عندما يعصي الحق على فراشه بعيداً عن أعين الناظرين ¡ فإنما هو

يتمرد في وسط ( يضجّ ) بالتسبيح ¡ بأرضه وسقفه وجداره وما فيه

من أثاث ومتاع ¡ فما هي نظرة الملائكة الموكلة بالحساب وهم يرون

هذا الموجود ( الشاذ ) في عالم الوجود ¿!.. والأنكى من ذلك كله أنه

يرتكب الجريمة بما هو مسبحٌ للحق ¡ كالظالم بعصا تسبّح بحمد الحق

يضرب به عبداً يسبح بحمد الحق أيضاً !!

....................................

إن من موجبات العَجَب - وما أكثرها في هذا الوجود العجيب -

هو بقاء الإنسان على سلامة آداء أعضائه لوظائفها المعقدة ما يقارب

القرن أو أكثر من الزمان ¡ وما هو إلا لحمٌ وعظم ¡ ولو كان حديداً لتآكل !!

ومن المعلوم أن هذه السلامة في البدن - فضلاً عن الروح - تتوقف على

( سلامة ) ملايين المعادلات في هذا الكيان ¡ بأنسجته وعصبه وإفرازاته

المعقدة ¡ كما تتوقف على ( انتفاء ) العوامل الخارجية الموجبة للعطب

كالجراثيم القاتلة المبثوثة في الفضاء ¡ والتي طالما عبرت الأبدان بسلام ..

فكيف لا يستشعر العبد بعد هذا كله دقة الصنع المذهلة ¡ التي تجعله ( يخشع )

بإكبار أولاً ¡ ثم ( يخضع ) ثانياً ¡ بما يوجب له الإحساس العميق

بالعبودية المستوعبة لكل أركان الوجود ¿!

....................................

من أفضل المشاعر التي تنتاب الزائر للقبور ¡ هو أن ( يفترض ) نفسه

بأنه قد نزل به الموت ¡ ثم أذن له بالخروج من القبر بكفالة مضمونة

ليرجع أياماً إلى الدنيا معوضاً عن تقصيره ¡ مكتسباً شيئاً من الدرجات

التي فاتته أيام حياته .. فيا تُـرى كم يبلغ ( حرص ) مثل هذا الميت

المستأنف للحياة ¡ وذلك في استغلال كل لحظة من لحظات عودته إلى الدنيا

وخاصة إذا كانت قصيرة لا تقبل الإمهال والتمديد ¿!..

....................................

إن الشياطين المقترنة بالعبد طوال عمره تحصي عليه عثراته ¡ وتحفظ زلاّتـه

وتعلم بما يثير غضبه أو حزنه أو شهوته .. فإذا أراد التوجه إلى الرب الكريم

في ساعة خلوة أو انقطاع ¡ ذكّره ببعض ( زلـله ) ليقذف في نفسه اليأس

الصارف عن الدعاء ¡ أو ذكّره بما ( يثـير ) حزنه وقلقه لـيُشغل بالـه

ويشتت همّـه ¡ وبذلك يسلبه التوجه والتركيز في الدعاء .. فعلى العبد

أن يجـزم عزمه على عدم الالتفات لأيّ ( صارف ) قلبي أو ذهني

ما دامت الفرصة سانحة للتحدث مع الرب الجليل ¡ إذ الإذن بالدعاء

- من خلال رقة القلب وجريان الدمع - من علامات الاستجابة قطعاً ..

....................................

من أخذه الله بمعصيته في الدنيا ¡ فالله أكرم من أن يعيدها عليه في الآخرة

ومن عفا عنه في الدنيا فالله أكرم من أن يأخذه بها في الآخرة .. ومن هنا

لا يستوحش العبد المنصف من توارد بعض البلاء عقيب زلّـة من الزلات

لعلمه أن ذلك البلاء لا يُعـدّ بلاء ¡ قياساً إلى العذاب المقدر على ذلك العمل

فيما لو أمهل العبد .. فما شرٌ بعده الجنة بشر ¡ وما خيرٌ بعده النار بخير

بل إن ( توارد ) النعم بعد المعاصي من صور ( الاستدراج ) الذي يستوحش

منه العبد .. ولـيُعلم أن الذنب بعد الذنب علامة الخذلان

والطاعة بعد الذنب علامة التوبة ¡ والطاعة بعد الطاعة علامة التوفيق

والذنب بعد الطاعة علامة الردّ !!!

....................................

إن التوجه إلى الحق سبحانه يتجلى في صور مختلفة .. فصورة منها

تكون مقرونةً ( بالحنين ) شوقاً إلى لقائه ..

وثانية مقرونةً ( بالبكاء ) حزناً على ما فرط في سالف أيامه ..

وثالثة مقرونة ( بالبهت ) والتحير عند التأمل في عظمته وهيمنته

على عالم الوجود .. ورابعة مقرونة ( بالخوف ) من مقام الربوبية ..

وخامسة مقرونة ( بالمسكنة ) والرهبة عند ملاحظة افتقار كل مخلوق

إليه .. وسادسة مقرونةً ( بالمراقبة ) للإلتذاذ بالنظر إلى وجهه الكريم ..

وعندها تتحد الصور المختلفة ليحل محلها أرقى صور الطمأنينة والسكون ...

....................................

إن مَثَل مَن يشتغل بحوائج الخلق وإرشادهم من دون التفات إلى ( العلاقة )

الخاصة بينه وبين ربه ¡ كمثل من يعمل في حضرة السلطان من دون

التفات إليه وان اشتغل بقضاء حوائج عبيد ذلك السلطان !!

فإن ما يُعطى في الذكر الدائم ¡ لا يُعطى في خدمة الخلق حال الذهول

عن الحق المتعال .. والجمع بين المقامين يتجلى في قوله تعالى :

} ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم

لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا {

هو إطعام للخلق ولكنه لوجه الحق الذي لا يُتوقع معه شكرٌ ولا جزاء ..

....................................

لو اعتقد الإنسان بحقيقة أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في

العروق وأنه أقسم صادقا على إغواء الجميع ¡ وخاصة مع التجربة العريقة

في هذا المجال من لدن آدم إلى يومنا هذا ¡ ( لأعاد ) النظر في كثير

من أموره .. فما من حركة ولا سكنة إلا وهو في معرض هذا التأثير

الشيطاني .. فالمعايش لهذه الحقيقة يتهم نفسه في كل حركة ..

و( ثـمرة ) هذا الخوف الصادق هو ( الالتجاء ) الدائم إلى المولى المتعال

كما تقتضيه الاستعاذة التي أمرنا بها حتى عند الطاعة كتلاوة القرآن الكريم ...