المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطبيعة الثابتة



المراسل الإخباري
12-20-2016, 21:08
"في يوم من الأيام شاهدت ولداً متوسط الحجم يضرب ولداً أصغر منه¡ فجادلته فقال لي: "الأولاد الكبار يضربوني¡ وأنا أضرب الأولاد الأصغر مني.. هذا عادل".. في هذه الكلمات لخص الطفل كل تاريخ الإنسانية.." برتراند راسل..
هذه المقولة التاريخية التي لم تتغير منذ بداية البشرية.. رغم تغيّر الأمم ورغم تعدد دياناتها وطوائفها وأشكالها.. حيث ظل الإنسان هو الإنسان القوي يهاجم الضعيف.. سواء كان أصغر منه سناً أو قوة أو مالاً.. وبعد ذلك دخلت القبيلة والمدينة والدولة وهي امتداد إنساني.. لم يتغير..!
في المنزل تشاهد الطفل الصغير يخاف ممن هو أكبر منه لأنه يضربه¡ وهو أيضاً يقوم بضرب من هو أصغر منه¡ وتتعاقب الأجيال بنفس الوتيرة.. كل طرف يتعرض للعنف من طرف أقوى منه.. يمارس نفس العنف على طرف أضعف منه ويعتبر ذلك عدلاً¡ وطبيعياً..!
أنت نفسك عندما تتعرض لضغط في العمل¡ أو من المدير المسؤول.. أو عقاب ليس بالضرورة أن يكون بدنياً ستجد نفسك تبحث لا إرادياً عن شخص آخر تُفّرغ عليه وفيه غضبك وترميه بحمم من العقاب دون أن يكون له ذنب أو مسؤولية فيما تعرضت له!
يكرّس ذلك التعامل مع هذا العمل من العقاب المتداول من الأقوى على الأضعف الأسرة¡ فتجد الأم مثلاً تقول للأبناء اصمتوا أو ادخلوا غرفكم لأن والدكم رجع ثائرا وعنده مشاكل في الشغل ويا خوفي يطلّعها عليكم.. هذا الترويع الذي تبرمج عليه الأسر.. وينتظره الأطفال كأمر معتاد.. وقد يضربهم ضرباً مبرحاً باستقواء دون سبب يذكر أو جرم ارتكبوه.. ولكن هي الممارسة الإنسانية القديمة المتجذرة والتي لا تتغير لأنها تاريخ البشرية..!
زميلة لي تقول: مرة ضربت بنتي بدون سبب واختلقت السبب من أجل ذلك لأنني كنت أمرّ بظروف قاسية في عملي وكلما زادت الضغوط زادت قسوتي على من حولي وكأنني أنتقم من الآخر فيهم.. وعندما سألتها هل يزعجك هذا الآن¿ قالت: لا¡ هذا هو الطبيعي.. فكيف يزعجني!
في بعض المنازل تمارس الشغالات عنفاً غير مسبوق على الأطفال الأبرياء في غياب أمهاتهم¡ والسبب أحياناً يكون تعرّض هذه الشغالة للعنف المنزلي والتنكيل وزيادة ساعات العمل وامتهان كرامتها وكسر إنسانيتها وهي ترى ذلك عادلاً رغم أن هذا الطفل الصغير الذي لا يفقه شيئاً لم يرتكب جريمة سوى أنه يدفع ثمن أخطاء غيره.. لأن هذه العاملة لم تستطع أخذ حقها من الكبار الذين يمتهنونها فأخذته من الأضعف بصفتها الأقوى!
في الأفلام المصرية تكرست صورة المعلم وصبي المعلم.. وهي صورة ليست سينمائية بل هي صورة واقعية.. تسلم الأسرة طفلها دون العاشرة للمعلم الكبير في النجارة أو السباكة أو الميكانيكا أو التجارة أو حتى مواقف السيارات أو الجزارة ليعمل لديه صبيا.. هذا الصبي الصغير يتعرض للعنف اليومي والضرب والإهانة والراتب الضئيل ومع ذلك يرتضي هو وأسرته هذا العنف ليس فقط من المعلم الكبير ولكن من الصبيان الأكبر منه.. يتعلم الصنعة تماماً ويتعرض لعنف مهول وكلما اشتكى قال له المعلم: مش عاوز تتعلم سيب الشغل..! وبمرور الوقت وبعد سنوات يتحول تدريجياً إلى صبي كبير يضرب الصبيان الجدد وهم يعترضون لأنه لا يزال صبيا.. وعندما يتحول لمعلم كبير يمارس نفس الممارسات العنيفة على من هم أقل منه في المهنة لأنه المعلم من ضرب وامتهان وكأنه أسلوب عمل متوارث ومدرسة تدار بالعنف مديرها المعلم والطلبة¡ والمدرسون هم الصبيان!!
تتغير الأمم.. ولكن تظل الأرض ثابتة والإنسان هو الإنسان بمعتقداته وسلوكه كطبيعة بشرية..!!




إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1556382)