المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البوصلة المجنونة



المراسل الإخباري
12-20-2016, 21:08
عندما كنا صغارا¡ كانت الأمور ترتدي شكلها الأولي المبسط¡ ولم يكن العالم يدفع لنا بالمعادلات الرياضية المعقدة¡ المرفوعة إلى ثلاثة.
كنا ندفع ريالا فننقذ عربيا¡ وكان العدو واضح القسمات والملامح محتلا صهيونيا¡ اختطف أرضا وشرد شعبا¡ والقضية الفلسطينية¡ تأخذ طابعا طوباويا حالما¡ مثل كل القضايا الإنسانية الكبرى المطوقة بالمثل والقيم¡ وأناشيد النضالات.
ولكن الآن حينما نتقصى أحوال بلاد العُرب¡ نحتاج إلى جوقة من المحللين السياسيين لتشرح لنا جزءا من المشهد.
وقبل أن ننصت لأي منهم لا بد أن نراجع سيرته الذاتية لنعرف انتماءاته وتوجهاته¡ لنفصل لذعة السم عن حلاوة العسل¡ ومن خلال شظايا التحليلات المتناثرة المتناقضة المتقابلة¡ نرصف فسيفساء المشهد فنعجز.. ويزداد المشهد غموضا ونتلفت حولنا بحثا عن التل¿
التل الذي اعتزله سعد بن أبي وقاص إبان الفتنة قائلا: لا أقاتل حتى يأتوني بسيف له عينان ولسان وشفتان يعرف الكافر من المؤمن.
المشهد في حلب كم طبقة نستطيع أن نسلخ عنه لنصل إلى الثقب الأسود الذي يمتص دماء الأطفال¡ ويلفظ جثثهم على الأرصفة والشرفات¿
هل مازلنا نمتلك طاقات نفسية قادرة على رؤية أسمال أحلامنا¡ تعجز أن تستر فداحة المشهد¿
نفر من صورة طفل تلوثت وجنته برعب آخر طائرة مرت فوق رغيفه¡ فنجده ينتظرنا بجانب موائدنا¡ يشاركنا وسائدنا.
حلب أرض هرمجدون وبركان الفتن¡ كلما طرقت بابا داخلها انسكب لون وعرق وأمة¡ أحدهم يمد ورد السياج¡ والآخر يبحث عن أقرب طريق تسلكه الرصاصة إلى صدرك.
حلب باتت طبقات كحبة ملفوف في مغارة ساحرة ماكرة.. الطبقة الأولى ستجد أفيال الدول العظمى تصفي ملفات لم تحسمها الحرب الباردة¡ وإذا تجاوزتها عمقا إلى الداخل¡ ظهرت ألوية معاوية وثارات الحسين¡ ونواح لم يرد الحق لأهله منذ ألف عام.. ولن يفعل.
وتتوغل لتجد هناك كسرى الفارسي العظيم ينقب في خيام الأعراب عن سواريه¡ بينما تنكر جنوده بحلة الحشد الشعبي.
وستجد الكرد قد أطلقوا قمرا صناعيا يتقصى درب صلاح الدين الأيوبي إلى القدس.
وحتما ستصادف في كل منعطف جيوش المرتزقة لكل فرد منهم تسعيرة دولية منشورة في جداول على غوغل من أفغان وشيشان وباكستان وتركمان وجميع من فتك الجهل والفقر بخلايا أدمغتهم وأبقى على ذقونهم.. ومرتزقة آخرون بذقون حليقة وقفازات متينة وخوذات تضيء للمستعمر الأبيض الدرب في ظلمة الشرق الأبدية.
ملفوفة الساحرة الشريرة.. كل يوم تزداد سماكة.. ولا نستطيع أن نجد في تلافيفها حذاء وقع من قدم طفل شامي.. فقذفنا الرضيع في البئر خلف حذائه.. لعل أحد السيارة يمر ويلتقطه.
عندما كنا صغارا كانت البوصلة صادقة أمينة.. قبل أن تدخل أرض الجنون.




إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1556141)