المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كي ينجح الحوار



المراسل الإخباري
12-21-2016, 18:23
أكثر حروب العالم في الماضي والحاضر كانت لأسباب طائفية¡ والحوار الوطني هو قدرنا وهو أملنا في بناء مجتمع متماسك تسوده المحبة والاحترام¡ وهذا يحتم التخطيط بعيد المدى واتخاذ خطوات كثيرة..
في المجتمع حراك جميل يغفل عنه الإعلام¡ فقد دعيت في الأسبوع الماضي لحضور فعاليات كثيرة في مجالات مختلفة استطعت أن أشارك في ثلاث منها¡ فقد حضرت مناسبة لتأسيس أصدقاء الشجرة في محافظة الغاط¡ وفي المساء حضور مناسبة لنادي القراءة الذي يعمل تحت مظلة مؤسسة الأمير عبدالرحمن السديري الخيرية لمناقشة كتاب ونقده¡ أما المناسبة الثالثة التي سوف أخصص لها هذا المقال لأهميتها فهي منتدى الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي عقد تحت عنوان «التعايش المجتمعي» وحضره كالعادة نخبة من أصحاب الرأي والمثقفين ومن هيئة كبار العلماء وأعضاء مجلس الشورى وأساتذة الجامعات¡ ومن أهم فعالياته حضور وزير التعليم وما دار من نقاش حول التعليم والمناهج ودورها في تأصيل الحوار.
ومنتدى الحوار الوطني فرضته التغيرات المتسارعة على مستوى المنطقة وعلى مستوى العالم¡ خصوصاً بعد هجمات 11 سبتمبر وزيادة العمليات الإرهابية من قبل الجماعات المتطرفة التي تنتهج العنف ولا تؤمن بالحوار. والمركز يهدف إلى خلق مجتمع متحاور لوطن متلاحم كما هو في رؤيته¡ ورسالته تعزيز الوحدة الوطنية وحماية النسيج المجتمعي من خلال ترسيخ قيم التنوع والتعايش والتلاحم¡ وهذه الرسالة تصلح أن تكون رسالة كل من له علاقة ببناء المجتمع وعلى الأخص التعليم بكل مراحله والإعلام ووزراة الشؤون الإسلامية لصياغة خطاب إسلامي صحيح مبني على الوسطية والاعتدال واحترام الاختلاف يكون مضاداً لما هو في الساحة من تصنيف وإقصاء وتكفير وطرد من رحمة الله.
ورغم جهود مركز الحوار الوطني إلا أن دوره في تأصيل الحوار لا يزال محدوداً جداً¡ ذلك أنه اقتصر على اللقاء بين النخبة دون أن يتشبع به المجتمع¡ بل إن المجتمع كان أكثر تسامحاً وقبولاً للاختلاف قبل خمسين عاماً مما هو الآن لسببين أساسيين هما: التعليم وما أدخل عليه من فرض الرأي الواحد والتشدد ضد المختلف وإدخال الولاء والبراء ضمن المنهج وغيره من أدبيات الصحوة وخطاب قادتها الذي يسهل توظيفه في المنهج الخفي لبعض المعلمين وأساتذة الجامعات.. والسبب الثاني هو قيام الثورة الإيرانية بقيادة الملالي ومحاولاتها المستمرة بسطَ نفوذها على العالم الإسلامي متخذة من المذهب الشيعي بوابة تلج منها إلى زعزعة أمن الدول¡ وهو ما أوجد صراع مذهبياً لم يكن موجوداً في المجتمعات العربية والإسلامية قبل هذين السببين.
أكثر حروب العالم في الماضي والحاضر كانت لأسباب طائفية¡ والحوار الوطني هو قدرنا وهو أملنا في بناء مجتمع متماسك تسوده المحبة والاحترام¡ وهذا يحتم التخطيط بعيد المدى واتخاذ خطوات كثيرة من أهمها ما يأتي:
أولاً- في تأصيل الحوار لا توجد طرق مختصرة¡ ولا بد من التركيز على جيل الشباب بدءاً بالتعليم العام في كل مراحله¡ وأن يتضمن المنهج حق الناس في الاختلاف بل وتقديره والكف عن فرض الرأي الواحد مستدلين بالقرآن الكريم كما في قوله نعالى: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين» هود 118.. فالهدف من التعليم بناء مواطن صالح مؤمن بربه متبع لدينه محافظ على وحدة وطنه وتتوفر لديه كل أسباب التعايش والتآخي داخل الوطن وخارجه¡ ومن أهم أهدافه تأصيل المعرفة التي تقود إلى فهم الآخر وعدم الإساءة إليه أو الإساءة إلى الرموز الإسلامية من كل مذهب¡ بل تقديم الإحسان والبر لمن يختلف معنا في الدين لكسبه ومعاملته معاملة حسنة كما في قوله تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين».
ثانياً- المراجع الدينية في المملكة لها تأثير قوي ومكانة خاصة بين الناس داخل المملكة وخارجها¡ وهي الأقدر على تأصيل الحوار من منظور ديني لإطفاء نار العداوة بين المذاهب الإسلامية وجعل المواطنة وما تتطلبه من حقوق وواجبات مكفولة لجميع المواطنين¡ إن من ينظر إلى خارطة العالم يجد أن العالم الإسلامي قد أصبح ميداناً للحروب الطائفية¡ ولو قارنا بين دولة إسلامية كالباكستان بدينها الواحد وجارتها الهند صاحبة الأديان المتعددة لوجدنا الفرق كبيراً¡ فالهند تعيش في تناغم واستقرار وغياب العمليات الإرهابية التي مصدرها الطائفية¡ بعكس جارتها الباكستان التي فجر المتطرفون فيها المدارس والمساجد والأسواق لأسباب طائفية.. كل ذلك يتطلب العمل على إزالة الخلاف وقبول الاختلاف¡ والأخذ بمبدأ التسامح والتعايش وتنقيح التراث مما علق به في زمن انحطاط المسلمين وما أصابهم من غزوات التتار وغيرهم.
أمام العالم الإسلامي طريق طويلة قبل أن يصبح الحوار والاختلاف ممارسة وقيمة¡ وقبل القضاء على كل مسببات الطائفية وما تجلبه من حروب وقلاقل داخل الدول الإسلامية أو فيما بينها.
ينجح الحوار حين يمارسه الطالب في المدرسة وفي قاعة المحاضرات في الجامعة¡ فالتعليم هو الأداة لنشر القيم الجميلة في المجتمع¡ ولا بد من تأصيله عن طريق أصحاب العلم الشرعي¡ وحمايته بسن الأنظمة التي تجرم كل من يهاجم الآخر المختلف أو ينال من رموزه المقدسة.




إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1556689)