المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الميزانية الجديدة.. تخطيط اقتصادي مسؤول



المراسل الإخباري
12-23-2016, 07:06
http://www.alriyadh.com/media/cache/81/91/81916434d1be41c74997568088c95454.jpgمن الصعب جداً أن يلتقط القلم كل ما ورد في الميزانية¡ رغم أن كل ما في الميزانية يستحق الوقوف عندي¡ فالقراءة التحليلية تقول إن الاقتصاد في هذه اللحظات التاريخية يأخذ حجماً وأهمية يفوق كل اعتبار آخر¡ لأن الاقتصاد هو القاعدة والتي يعتمد عليها بقاؤنا¡ كما تعتمد عليه حضارتنا وأمننا الوطني¡ أمننا الغذائي¡ وحياتنا اليومية تنميتنا وتيسير سبل الحياة¡ ثقافتنا¡ وإسهامنا في تقدم البشرية¡ كل هذه الأساسيات تعتمد على الاقتصاد اعتماداً كلياً ومباشراً¡ والحديث عن الاقتصاد لا يمكن أن يظل حديثاً عن قائمة من المعلومات أو بين جدران الجامعات أو مجموعة من الخبرات أو صوراً من التجارب فحسب¡ صحيح أن كل هذه دلائل على أن للاقتصاد دوراً في حياتنا الحديثة¡ ولكن يبقى الأهم هو أن يصير الاقتصاد قيمه إبداعية في مجتمعنا¡ عندها نكون قد بلغنا مرحلة تأصيل الاقتصاد في حياتنا وتأصيل حياتنا بالاقتصاد¡ وعند ذلك نستطيع أن نقول إن الميزانية الجديدة قمة في التخطيط الاقتصادي المسؤول¡ ولكي نقترب أكثر من فهم هذه العبارة التقريرية¡ هو أن البعض يرون في تركيز الميزانية على ترشيد الإنفاق وتقليل المصروفات الحكومية¡ علامة على أن الاقتصادي الوطني يعاني من ضمور في الموارد المالية¡ وهذا القول جدير بالمناقشة وبالتفنيد.
نبدأ مناقشتنا لهذا الرأي بتحليل المقدمات التي بني عليها¡ لم يهمهم (المهمومون) بهذا الرأي استناداً على أرقام الميزانية واتجاهاتها¡ ولكنهم التقطوا تركيز الميزانية على ترشيد الإنفاق¡ واعتبروه دليلاً قاطعاً على هذا الضمور¡ وهذا منطق ضعيف جداً.
إذ إن ترشيد الإنفاق في حد ذاته حسن ومطلوب¡ بل ومطلوب بشدة من وجهة نظر اقتصادية بحته أولاً¡ فكل مبتدئ في أبجديات الاقتصاد¡ يعلم أن الموارد الاقتصادية على مستوى العالم¡ لا على مستوى المملكة وحدها¡ هي موارد محدودة¡ والاقتصاد كعلم يقوم أساساً على فرضية استثمار هذه الموارد¡ الاستثمار الأمثل لتعود على الناس بأفضل النتائج.
فالترشيد كما نرى¡ هو سلوك اقتصادي بديهي بغيره لا يكون اقتصادا والترشيد مطلوب ثانياً من وجهة نظرنا الإسلامية الخاصة التي تحذرنا من الركون إلى الترف¡ هذه هي الحجة القوية لصالح الترشيد اقتصادياً وإسلامياً.
إن هنالك سلوكا تنمويا معروفا¡ وهو أن المراحل الأولى من التنمية¡ تحتاج بطبيعتها إلى موارد رأسمالية كبيرة¡ والأسباب هي أن البناء التحتي يتكلف كثيراً¡ وهذا منطق العالم الطبيعي.
فالآلة الاقتصادية تحتاج تكلفة بدء الحركة فيها إلى إنفاق كبير¡ وهذا ما تم في خطط التنمية المتلاحقة¡ فقد وظفت الدولة العائدات النفطية لبناء قاعدة اقتصادية صلبة حققت تمدنا ضخماً وتحولاً اجتماعياً ملموساً¡ ويمكن القول بالاستناد إلى ما تحقق من منجزات¡ إن المملكة تعتبر نموذجاً بارزاً ومثلاً جيداً للبلدان النامية في مكتسباتها التنموية.
ولهذا فإن سرعة ارتفاع العائدات النفطية داخل البنية الاقتصادية¡ قد دفعت إلى نمو قطاعات الإنتاج غير النفطية¡ ومن هنا تتجلى قدرة الدولة في الاستفادة من قطاع النفط في خطط التنمية¡ ويصير من غير الحصيف اقتصادياً أن يستمر نفس المستوى العالي من الإنفاق¡ بعد اكتمال المراحل الأولى من التنمية¡ فهذا إهدار للموارد الوطنية يجب تلافيه حتى لا يصير المجتمع عندنا مجتمعاً استهلاكياً مترهلاً.
وقد جاء دور رؤية 2030 منصباً على البحث عن بدائل إنتاجية متنوعة للحفاظ على متانة الاقتصاد والتوفير للأجيال القادمة¡ ولذلك ركزت الرؤية الجهود حول إعداد الإنسان السعودي إعداداً علمياً كخطوة لاستثمار العنصر البشري بصورة جيدة وتهيئته لمعركة تنموية بناءة¡ كما انصبت الجهود على إنشاء صناعات أساسية تابعة للقطاع العام¡ لذلك أولت رؤية 2030 اهتماماً خاصاً بالقطاعات غير النفطية¡ وشرعت في تنفيذ برامج تنموية طموحة للحد من مصدر واحد للدخل الوطني¡ وهو النفط. وإشراك القطاع الوطني الخاص في الإنتاج وتحريك الحياة الاقتصادية¡ وهذا لا يتم إلا عندما تترك الدولة مهمة كثيرة من العمليات الإنتاجية والخدمية لهذا القطاع الذي قدمت له الدولة في خططها السابقة كل دعم وتشجيع¡ وجاء دوره ليضطلع بنصيبه في بناء الحياة الاقتصادية المتطورة.
لهذه الأسباب¡ فإننا نرى أن الميزانية الجديدة هي تخطيط اقتصادي مسؤول يحمي موارد الدولة ويصون مقدراتها بعد تكامل البنية التحتية. وليس دليلاً على تقلص في المقدرة الاقتصادية¡ بل على العكس دليل على أنها سوف تدخل الآن مرحلة قوة أكبر واستقرار أطول.
ويتبقى أخيراً نقطة هامة¡ وهي أنهم كانوا من قبل يتحدثون عن ثروة النفط.. مدن النفط.. ثقافة النفط¡ يظنون أنهم يبخسون شأن بلادنا ومجتمعنا¡ لأنها تعتمد على بيع البترول.
اليوم تدخل بلادنا طوراً حضارياً جديداً.. ليس اليوم¡ بل إنها قد دخلته منذ فترة طور رؤية 2030.




إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1557218)