المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التحول أو الاندثار



المراسل الإخباري
12-25-2016, 04:18
عبر التاريخ كانت الانتقالات المجتمعية الصعبة تمر عبر «عنق زجاجة» يقصر أو يطول حسب الاستعدادات الداخلية التي يظهرها المجتمع لتقبل التغيير وهذه الحالة¡ رغم صعوبتها وضحاياها إلا أنها تعتبر ضرورية لتجديد المجتمع وبث روح مقاومة ومبدعة فيه. ويبدو أننا في المملكة وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها التغيير مطلبا أساسيا..
من الواضح أن المجتمع يمر بمرحلة انتقالية صعبة على المستوى الاقتصادي وعلى مستوى أسلوب ونمط الحياة بشكل عام ويظهر أننا أمام تقلبات عديدة وكبيرة لمنظومة التقاليد التي تحكم مجتمعنا من الداخل وتحدد وملامحه التي اعتدنا عليها¡ وبالتأكيد هذه المرحلة ستكون صعبة على الجميع فليس من السهولة أن يحدث هذا التحول دون "ضحايا"¡ وعندما أقول ضحايا فأنا أقصد أولئك غير المستعدين للتغيير الذين كانوا يعتقدون أن الحياة ستستمر على نفس الوتيرة للأبد.
عبر التاريخ كانت الانتقالات المجتمعية الصعبة تمر عبر "عنق زجاجة" يقصر أو يطول حسب الاستعدادات الداخلية التي يظهرها المجتمع لتقبل التغيير وهذه الحالة¡ رغم صعوبتها وضحاياها إلا أنها تعتبر ضرورية لتجديد المجتمع وبث روح مقاومة ومبدعة فيه. ويبدو أننا في المملكة وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها التغيير مطلبا أساسيا¡ فالثقافة المجتمعية النمطية التي اعتادها المجتمع لم تعد صالحة لمتطلبات العصر وهذا يعني أننا مقبلون على قرارات وخيارات قد لا ترضي الجميع لكن يجب أن نستعد لها لأن الخيارات المتاحة لنا محدودة جدا. مفاجأة البعض بهذه القرارت قد تحدث إرباكا سيؤثر على الاستقرار الاجتماعي¡ وهذا ما يجعلني أرى أن نجاح التغيير يحتاج إلى العمل على إعداد المجتمع لتقبل هذا التغيير. أكتب هذا المقال عصر الخميس وهو اليوم الذي أعلنت فيه ميزانية عام 2017م ولن أتحدث هنا عن الميزانية بقدر ما أريد أن أتناول "ظواهر مستقبلية" قد تكون من نسج خيالي لكنها بكل تأكيد مبنية على قراءتي لكل ما يحدث الآن في بلادنا من تصاعد لثقافة اجتماعية واقتصادية جديدة سيكون علينا وعلى أبنائنا التعامل معها.
سوف أبدأ من تأثير الميزانية نفسها¡ فهي مازالت طموحة وتعبر عن التماسك الاقتصادي لبلادنا لكنها تثير المخاوف نتيجة تناقص الدخل العام¡ فالإيرادات المتوقعة أقل الالتزامات المالية التي يتطلب إنفاقها العام المقبل وهذا يشكل ضغطا كبيرا على الحكومة سوف يدفعها إلى إعادة التفكير في الكثير من المسلمات التي كان المجتمع يعتقد أنها لن تتغير أبدا¡ وستكون هذه المتغيرات ذات تأثير مباشر على مستوى حياة الأسرة السعودية¡ وهذا أمر طبيعي¡ فمثلا أجريت في منتصف التسعينيات من القرن الماضي دراسة على التحول في أسلوب الأسرة السعودية من خلال دراسة التغير في مساحة المسكن وتوصلت أن العامل الاقتصادي يشكل عصب التغير الاجتماعي¡ أي أن الناس تتنازل عن منظومة التقاليد التي تؤمن بها تدريجيا أو بشكل مفاجئ نتيجة للحالة الاقتصادية.
لقد أكدت في تلك الدراسة أن الاسرة السعودية سيكون عليها تقبل حلول صعبة في المستقبل نتيجة لهذا التوسع الخارج عن الحاجة في مساحات السكن ولن يكون بمقدور الأجيال القادمة تحمل نفقات هذه الزيادات وبالفعل الآن وبعد مرور أكثر من عشرين عاما أصبحت معايير السكن مختلفة نتيجة لضغوط اقتصادية وتحولات اجتماعية داخلية وأعتقد أن المستقبل ينبئ بمزيد من الضغوط ومن التحولات ويجب أن تكون الأسرة مستعدة لها. ولعل هذا يشير إلى أن المجتمعات عادة ما تتكيف مع الأوضاع الجديدة¡ وهذا التكيف قد يكون سلبيا أو إيجابيا¡ ولعل هذا يقودنا إلى أهمية أن يكون هدفنا هو إحداث تحول إيجابي يصب في تحقيق أهداف الرؤية التي نتطلع لها¡ لأنه من السهل فرض قرارات وقيم جديدة على الناس ولكن لا يوجد هناك أي ضمانات لعدم مقاومتهم لها وتشويهها.
وإذا كان التغير في ظاهرة السكن واضحة ويمكن مشاهدته بالعين المجرد¡ إلا أن هناك متغيرات كامنة لا نشعر بها لكنها تبدلنا من الداخل بشكل متدرج¡ هذه المتغيرات تشكل "إزاحات" لا يمكن الإحساس بها مباشرة وفي وقتها لكن مجموع الإزاحات يصنع تغيرا جذريا وينقلنا من حالة لأخرى¡ وهذا ما حدث ويحدث الآن للمجتمع السعودي¡ فنحن نمر بتحول بطيء لكنه مؤثر على المسافة الزمنية¡ وما ستحدثه الرؤية¡ وما يتبعها من قرارات¡ من تغييرات في البنية المجتمعية والاقتصادية ستؤدي إلى تبدل نمط الحياة بشكل كامل وستصنع منظومة قيم وتقاليد قد تكون مهجنة تجمع القديم والمستحدث ولكن بكل تأكيد لن نكون مثلما كنا عليه في السابق¡ فهل التغيرات التي ستحدث في مجتمعنا يمكننا اعتبارها إيجابية¿ بالطبع يستحيل الوصول إلى إجابة قطعية عن هذا السؤال¡ لكن يجب أن نتذكر دائما أن المجتمعات لا يمكن أن تظل ساكنة وإزاحات التحول تشكل ظاهرة طبيعية لكن سرعة هذه الإزاحات وتباطؤها تتحكم فيها الظروف الاقتصادية بشكل أساسي والتي تعتبر محرك التغيير في مجتمعنا في الوقت الراهن.
ولأخذ مثال آخر وهو تصريح وزير العمل بضرورة تقليل نسب القبول الجامعات إلى 50% من أجل حث الشباب كي يتجهوا لكليات التقنية والعمل في المهن التي تحتلها الآن عمالة أجنبية¡ ورغم أن التصريح يعتمد على نوايا حسنة¡ إلا أنه يعالج جزءا من المشكلة لأنه يهمل نصف المجتمع وهم النساء اللاتي تتفشى بينهن البطالة بشكل ملفت للنظر. على كل حال هذا ليس موضوعنا¡ ولكن الظرف الاقتصادي الحالي صار يحتم علينا التفكير بأسلوب مختلف¡ وصار يتطلب أن نقدم على قرارات جريئة ستؤدي إلى تغير حتمي في المكون الاجتماعي¡ وستعجل من "إزاحات التغيير"¡ ويبدو أن هذا التصريح ليس مجرد تصريح بل هو من ضرورات المرحلة فهو يلاقي دعما من مجلس الشورى ويمكن اعتباره "توجه دولة". السؤال هو: هل الأسرة السعودية مستعدة لهذا التغيير أم أنها ستضطر إلى إرسال أبنائها للدراسة في الخارج وتحمل نفقات إضافية ستؤدي حتما إلى إضعاف القدرة الشرائية لها وقدرتها على الإنفاق وبالتالي إضعاف الاقتصاد الوطني. أنا شخصيا أميل دائما إلى التأني والتدرج في القرارات التي قد تعجل من التحول الاجتماعي مع أهمية العمل على تهيئة البيئة المناسبة لهذا التحول.
إن الجزم بأي نتائج مستقبلية للقرارات الحالية التي تمس بنية المجتمع الحياتية صعب جدا لكن من الضروري أن نعي أن هناك العديد من الظواهر الاجتماعية السلبية المتراكمة التي نقلت مجتمعنا من بنيته "المستدامة" المتماسكة التي كان يعتمد فيها على سواعد أبنائه إلى مجتمع استهلاكي واتكالي وبالتالي فإن محاولة العودة إلى القيم السابقة لن يكون سهلا لأن الظروف تغيرت بالكامل والمعطيات الاقتصادية تبدلت وتطلعات الناس أصبحت مختلفة وبالتالي فإن ما يواجهنا سيكون صعبا للغاية لأن المطلوب هو العمل مع الحكومة لتحول الاستهلاك إلى إنتاج¡ لسد العجز وما لم يساهم المجتمع عبر إنتاجه وابتكاراته وسده للفجوات والنقص وتقليصه من الإنفاق غير الضروري واعتماده على قدراته الذاتية والتقليل من الاعتماد على الآخر¡ فسوف ستصبح الحلول صعبة للغاية في المستقبل القريب.




إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1557395)