المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جبل الصعـاليك



المراسل الإخباري
12-26-2016, 12:21
كانت القبيلة (في الجاهلية) هي الهوية والنسب وموضع الفخـر.. كانت القبائل تغير على بعضها البعض¡ ولكن (بـيـن أبناء القبيلة الواحدة) كان هناك شبه اتفاق على عدم النهب والسلب الاعتداء.. ولهذا السبب كانت العرب تمجد فرسانها ومحاربيها¡ ولكنها تطرد المسيئين إليها¡ والمارقين من أبنائها. وهكذا ظهر ما يعرف بصعاليك العرب الذين نفتهم قبائلهم لهـذا السبب ــ أو هربوا بأنفسهم بسبب أعمال سرقة¡ أو قـتل ارتكبوها...
وبمرور الزمن تضاعفوا¡ وتوالدوا¡ وتحولوا إلى مايشبة القبائل الصغيرة¡ تمتهن قطع الطرق¡ ولا تعترف بالأشهر الحرم.. وكان من بين هذه القبائل (المتصعلكة) العرنيون الذين سرقوا إبل الصدقة¡ فأمر النبي بصلبهم¡ وتقطيع أيديهم¡ وقبيلة الصحابي أبي ذر الغفاري الذي أسلم وأقنع قبيلته بأكملها بدخول الإسلام والهجرة معه إلى المدينة...
وكان في تهامة بالذات جبل مشهور يعرف بجبل الصعاليك .. كان بمثابة ملاذ آمن يلجأ إليه كل هارب¡ ومطرود يأمل بمساندة الصعاليك أمثاله. ورغم أن معظمهم أمتهن السرقة وقطع الطرق¡ ظهر بينهم فرسان¡ وشعراء¡ وأجواد يسرقون من الأغنياء لصالح الفقراء ــ خصوصا أن مشكلة بعضهم¡ كانت أنهم أبناء جواري سود¡ رفض آباؤهم الاعتراف بهم (مثل السليك والشنفرى وتأبط شرا)...
وهذا الأخير كان معروفا عنه الكرم¡ لدرجة أنه يمنح غنيمته لغيره¡ فيبقى أياما بلا طعام.. ونقل المؤرخون عن عبدالملك بن مروان أنه قال: من زعم أن حاتماً أكرم الناس فقد ظلم عروة بن الورد (زعيم جبل الصعاليك)...
ومن المفارقات العجيبة¡ أن الصعاليك لعبوا دورا كبيرا في أدبنا العربي وتاريخنا الإسلامي...
فمن جهة الأدب ظهر منهم شعراء كبار مثل البراض¡ وابن الورد¡ وعبيد العنبري¡ والأحيمر الأسدي.. كما دخل معظمهم الإسلام¡ وساند الدعوة قبل وبعد الهجرة النبوية¡ ــ مثل أبو ذر الغفاري خامس من أسلم¡ وأبو خراش الهذلي الذي توفي في خلافه عمر.. وحين هاجر الرسول الكريم إلى المدينة¡ بعث خطابا إلى صعاليك تهامة¡ يدعوهم فيه للإسلام¡ والهجرة إليه فاستجاب كثير منهم لدعوته ..
يقول ابن سعد في كتاب الطبقات الكبرى (الجزء الأول):
كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لجماعة في جبل تهامة من كنانة¡ ومُزينة¡ والقارة (أي الأفارقة) كانوا قد غصبوا المارة وانتهبوا أموالهم.. فلما وفدَ منهم وفدٌ كتب لهم "بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله¡ لعباد الله العتقاء أنهم إن آمنوا¡ وأقاموا الصلاة¡ وآتوا الزكاة¡ فإن عبدهم حرّ¡ ومولاهم محمد¡ ومن كان منهم من قبيلة لم يردّ إليها¡ وما كان عليهم من دم أو مال¡ فهو لهم¡ وما كان لهم من دين للناس رُدّ إليهم¡ وإن لهم على ذلك ذمة الله وذمة محمد والسلام عليكم"...
وبـمنحهم الأمان (وفرصة الهجرة ودخول الإسلام) انتهت ظاهرة الصعلكة في جزيرة العرب¡ وعاد كثير منهم للحياة الطبيعية ــ خصوصا العـبيد والأحباش ومجهولي النسب الذين نالوا لأول مرة حقهم في العدل والمساواة في مجتمع المدينة...




إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1557986)