المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مكتب البريد



المراسل الإخباري
01-01-2017, 16:27
البريد على مر الأزمنة هو صلة الوصل والتواصل بين الناس في شتى المجالات الذاتية والعامة¡ إذ يحمل الرسائل بين القريب والبعيد¡ والرسائل فيها المفرح وعكسه¡ والمفيد مادياً ومعنوياً¡ أو المخيّب والمندّد¡ وهكذا بين وجهين أبيض/ أسود¡ ولكنه من الضروريات التي تتطلبها حياة الفرد والجماعة¡ فكم من رسالة جلبت السعادة وبشرت بها¡ وأخرى حملت المؤلم والمحزن¡ فبين الضرر والنفع يكون البريد واسطة نقل للمتناقضات بكل براءة¡ فهو ناقل ولا يعلم ما ينقله سوى أنها (رسالة) يتوجب وصولها على العنوان المحدد¡ وهذا تحصيل حاصل حتى اليوم مع تعدد وسائل التواصل لا يزال للبريد حضوره¡ ولا يزال هناك من يعمل في البريد كمراسل¡ أو موزع¡ أو ساع¡ وبوسطجي¡ ومن يعمل في البريد تكون له ذكريات بين حالتين متناقضتين¡ فإما أن يكون بشيراً أو نذيراً¡ فيما يتلقى هنا الشكر والمديح¡ فإنه حتماً سيتلقى الشتم والتقريع بدون ذنب سوى أنه يؤدي عملاً هو وسيلته للعيش.
معاناة ساعي البريد تناولها كتاب عديدون في العالم لا يمكن حصرهم¡ ومنهم الكاتب الأميركي (تشارلز بوكوفسكي) في روايته التي أسماها (مكتب البريد)¡ فهو في هذه الرواية يعطي صورة حية متحركة تمثل حياة ساعي البريد كما ينبغي لكونه هو نفسه من عمل في البريد (مراسلاً) ينقل الرسائل من مكان إلى آخر¡ وقد عانى الكثير من رؤسائه والمسؤولين عنه¡ ومن أصحاب الرسائل التي ينقلها إليهم¡ وقد ذكر عدداً من المواقف ليوحي بأن هذه الرواية هي (سيرة ذاتية) وصف فيها بعض ما تعرض له من مواقف متناقضة¡ وهو في مرحلة التكوين لكي يكون كاتباً مشهوراً ضاع اسمه في زحمة الكتّاب الأميركين الذين قرأهم وعاصرهم.
بوكوفسكي كما تذكر مترجمة لرواية -ريم غنايم- تشير في تعريفها به: "يعد ظاهرة احتجاجية في الساحة الأدبية الأميركية فلم يحظ الرجل باعتراف أدبي لائق في الولايات المتحدة حيث اعتبر كاتباً (تخريبياً) وذلك بحكم طبيعة الطرح التي تتضمنها كتاباته¡ إلى جانب طبيعة سلوكه الاجتماعي الذي لم يرضخ لمقومات الأديب المقبول اجتماعياً".
مع أنه كما الغائب عن الساحة الأدبية الأميركية التي برز فيها بعض منهم دونه موهبة ومعرفة¡ وسعة أفق¡ إلا أنه اشتهر في أوروبا والغرب حيث ترجمت كتبه إلى ما يقارب الخمس عشرة لغة¡ وقد دعي للندوات والمحاضرات خارج أميركا¡ فكان نجماً بالرغم من أسلوبه الحياتي المتهور في العمل والسلوك حيث يطابق ما بين الحياة الخاصة بمتناقضاتها الحسن والرديء¡ ويعكسها في كتاباته التي تروق للبعض ويرى فيها الصدق¡ ويرى آخرون التمرد والسلوك الشاذ¡ ولهذا لم تكن صورته مؤطرة بالكلمات إلى جانب أستاذه (إرنست هيمنجواي) أو الأدباء الأميركيين الذين عمّت شهرتهم واتسعت حتى وصلت العالم كافّة مثل (جون شتاينبك¡ وليم فوكنر¡ هنري ميلر¡ توني موريسون¡ وهنري جيمس¡ بول أوستر¡ وغيرهم)¡ و"مكتب البريد" رواية تنقل الخطوات التي مر بها بتلقائية على طريقة الذكريات التي تقصر ولا تطول¡ إذ تكون الحالة الواحدة كافية لأحداث فصل¡ ثم يكون الانتقال لحالة أخرى¡ هناك ترابط¡ ولكن فجوات تتضح عندما يتحدث عن حالة قد كانت ثم تكررت ولكن بين وقتين مختلفين¡ سمّى نفسه في الرواية/ السيرة (هنري تشيناسكي): "خضت الفحص واجتزته وصرت ساعي بريد مناوباً¡ في البداية كان الأمر سهلاً ونقلوني إلى محطة ويست آفون وكان الأمر مماثلاً لما كان عليه في موسم عيد الميلاد¡ وتلكأت في العمل بسبب حدث خاص¡ لكن المشرف تساهل معي كنت أتجول بدون زي رسمي"¡ ويستمر في التنقل بين مكتب وآخر¡ وكل مشرف له معه حكاية¡ فمشرفه (جونسون) قاس في تعامله فمع عدد من المندوبين تعامل معهم بجد وفي يوم لم يحضر في الوقت المحدد مدعياً المرض ولم يقبل المشرف الاعتذار¡ وكتب فيه المراقب التقرير اللازم الذي يهدده فيه بالخصم والفصل¡ فلم يكترث وذهب لمنزله¡ لكنه في اليوم التالي سرّح وبقي يمارس التسكع بلا مبالاة¡ فقد كان العاملون 150 أو 200¡ لم يبق منهم سوى اثنين.
مواقف عديدة¡ ووصف دقيق لحالات يعاني منها ساعي البريد في كل مكان من العالم رسمها بالكلمات تشارلز بوكوفسكي (عاش 1920- 1994) وهو يقول عن نفسه: "أنا عبقري ولا أحد يعرف ذلك سواي".




إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1559211)