المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الذاكرة المسلمة! (1-2)



المراسل الإخباري
01-07-2017, 11:43
مقاصد الأمم في الحياة تُباين مقاصد أفرادها¡ وأهدافها فيها تختلف عن أهدافهم¡ ومقتضى ذلك أن يكون لها ذاكرة مستقلة وخطاب مختلف¡ تُعالج بهما ما يُعانيه الفرد¡ ويعيش في أُتونه¡ وتسعى جهدها أن ينزع تلك الذاكرة المخرومة الظالمة¡ ويضع مكانها غيرها¡ تعدل في الناس¡ وتعرف خيرهم¡ وتحتفظ بمزاياهم..
الفخر بالماضي والتأريخ يبدو خصلة بشرية¡ تُمليها على الإنسان طبيعته التي تصرفه عن الاعتراف بالقصور¡ وتُبعده عن الظهور بعيوبه ونقصه¡ وتدفعه إلى تذكر أحسن ما كان¡ ونسيان أسوأ ما جرى¡ وتلك خطة للإنسان والأمةº فمعظم الأفراد يستذكرون فلاحهم وفلاح مَنْ ينتمون إليه¡ ويفخرون به وكأنْ لم يكن لهم في ماضيهم وماضي ذويهم وهلات¡ تَشينهم وتغضّ منهم¡ ولعل شعر الفخر وشعراءه في العربية نموذج دالّ¡ وصورة مفصحة.
وحال الأمم في هذا كحال الأفراد¡ فلا تكاد تجد أمة تحتفظ بعيوبها وعيوب رجالها¡ إنما هي الحسنات والمزايا¡ تنشرها في أفرادها¡ وتُذيعها في جنبات ثقافتها¡ وحين تسمع ناقدا لبعض ما كان¡ أو تبصر عائبا لشيء مما مضىº تنفر منه¡ وتخاف على أجيالها من حديثه¡ وتصفه بما لا يحتمله كلامهº فيكون عندها هاجرا لماضي أمته¡ وكارها لرجالها¡ وطامسا لما كان منها¡ تطلب الأمة من أفرادها مثلما تطلب القبيلة من المنتمين إليها¡ وتنتظر من قومها ما كانوا ينظرون به إلى أنفسهم¡ وما دام الفرد لا يذكر من ماضيه إلا أحسنه¡ ولا يُحضر منه إلا أزينه¡ فعليه أن يأخذ أمته وتأريخها بهذا المسلك¡ ويعاملها به¡ وإلا فهو الجائر في الحكم¡ والظالم في التقدير.
لقد أصبح المديح والثناء في ثقافتنا هو الرابطة الوحيدة بين الفرد وقبيلته¡ والأمة وأعضائها¡ والمذهب والمنتمين إليه¡ فلم يعد مستغربا أن يستريب الناس¡ وهم هكذا نشأوا وتربوا¡ من النقد حين يتجه إلى مذهب أو مؤسسة أو إدارة أو فردº فالمديح والثناء هو العقد الاجتماعي الباطن بين الناس¡ ومَنْ يُخلّ به يُخلّ بأمر متفق عليه¡ وشرط جرى التعريف به¡ ويُصبح غير مرغوب فيه¡ ولا ملتفت إليه¡ وهو ما يؤيّد أن المديح أصبح عقدا اجتماعيا يرعاه الكافة¡ ويلتقون على الإيمان به¡ وإن كانوا يتظاهرون بغيره¡ ويُحبون أن ينسبوا إلى سواه.
الغريب أن هذا الإنسان الذي يؤمن بهذا العقد¡ ويراه شرطا في الوئام مع الآخرينº يسطو على مخالفيه¡ ويتههم¡ ويطعن فيهم¡ ولا تُسعفه ذاكرته إلا بأقبح ما يعرفه¡ وأشين ما يعلمه¡ تختزن ذاكرته حسناته ومزايا أمته وكمالات رجاله¡ ولا يجد لنفسه سبيلا إلى سواها¡ وإنْ وقع على مَنْ يُذكّره بشيء منها صدّ عنه ووضع أصبعيه في أذنيه¡ وتملأ تلك الذاكرة نفسها بسيئات مخالفيه¡ وتزخر بأخطائهم¡ وتجترّ كل ما يُشوّههم¡ ويحتقر ماضيهم¡ ويبدو لصاحب هذه الذاكرة أنها كانت عادلة معه ومع قومه¡ ومصيبة كل الإصابة في حق مَنْ خالفهم وسار على غير طريقتهم.
الذاكرة في الأفراد والجماعات والأمم مخرومة في كلتا حالتيها¡ في مديحها وثنائها على أصحابها والمشايعين لها¡ وفي هجائها وعيبها لمناهضيها والمعارضين لها¡ فهي لم تُحسن في الأول¡ ولم تبرّ في الثاني¡ وإذا كانت هذه الحالة تبدو طبيعة في الإنسان وخلّة عامة فيه وعاهة يصعب معها الاحترازº فالمنتظر أن تظهر الأمة بخلاف أفرادها¡ وتبدو على غير ما هم عليه¡ فما يُقبل منهم¡ ويُغض الطرف عنه فيهم¡ يصعب على المرء أن يجده في الأمة¡ ويعثر عليه فيهاº فمقاصد الأمم في الحياة تُباين مقاصد أفرادها¡ وأهدافها فيها تختلف عن أهدافهم¡ ومقتضى ذلك أن يكون لها ذاكرة مستقلة وخطاب مختلف¡ تُعالج بهما ما يُعانيه الفرد¡ ويعيش في أُتونه¡ وتسعى جهدها أن ينزع تلك الذاكرة المخرومة الظالمة¡ ويضع مكانها غيرها¡ تعدل في الناس¡ وتعرف خيرهم¡ وتحتفظ بمزاياهمº إن كانت تلك الأمة تروم تربيته على العدل مع نفسه ومَنْ حوله مِن إخوانه¡ وتسعى إلى إخراجه من عيوب طبيعته¡ وترجو أن يخلع نظارته القديمة التي لا تعرف إلا الأسود والأبيض¡ ويلبس أخرى تُتيح له أن يبصر جميع ما حوله¡ ويدرك ما في الناس من خير وبر¡ وإن كانوا بعيدين عنه¡ وغير عارفين بما عنده..




إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1560643)