المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف تتحجر الأفكار¿



المراسل الإخباري
01-12-2017, 10:11
في مقال البارحة أشرت إلى أن الطفل والبالغ يتعلمان اللغة الأجنبية بطريقتين مختلفتين.. الطفل يتعلمها من خلال المحاكاة والواقع فيتحدثها بطلاقة وعفوية وبلهجة أهلها الأصليةº في حين يصاب البالغ بما أسميته (تحجر لغوي) يُثبت مخارج الحروف لديه¡ ويجعل لهجته الأصلية تظهر في لغته الأجنبية (وضربت مثلا بهنري كيسنجر¡ وأرنولد شوارزنيجر¡ اللذين فشلا في التخلص من لهجتهما الألمانية¡ رغم أن الأول أصبح وزير خارجية أميركا والثاني حاكم ولاية كاليفورنيا)..
وسطوة اللغة الأصلية تتجاوز (طريقة اللفظ) إلى المشاعر¡ وطريقة التفكير¡ والمراكز العصبية في الدماغº لهذا السبب يفكر أصحاب اللغات المختلفة بطرق مختلفة¡ ويصعب على «البالغ» الحديث بطلاقة بأي لغة أجنبية (كونه يفكر أولا بلغته الأم¡ ثم يترجم أفكاره للغة الجديدة)..
والفرق بين الصغار والكبار مجرد مثال على تحجر عصبي ونفسي يطال حتى الأفكار والآراء والمعتقدات والموروثات الشعبية (بعد سن البلوغ).. فكما أن الكبار يصابون بتحجر لغوي يمنعهم من اتقان اللغات الجديدة (بمستوى أهلها) يصابون أيضا بتحجر فكري يمنعهم من تبني الأفكار الجديدة بشكل كامل ونهائي (بمستوى أهلها).. فأفكارهم الأصلية القديمة تظل محتفظة بسطوتها وتترك بصماتها على أي أفكار جديدة يتبنونها لاحقا..
فالعرب مهما تحدثوا عن الحرية والديموقراطية¡ تكذب أفعالهم أقوالهم لأنهم ببساطة لم يتربوا على الاثنتين..
فالأفكار والمعتقدات¡ مثل اللغات واللهجات¡ يصعب تبنيها بالكامل ما لم يتم تعلمها وممارستها من سن الطفولة.. أي أفكار ومعتقدات (يتم تبنيها بعد سن البلوغ) تظل متأثرة بأفكارنا ومعتقداتنا الأصلية (تماما كما تتأثر لغتنا الجديدة بلهجتنا القديمة)..
نعمº قد يرفض عقلك الواعي بعض الأفكار التي تربيت عليها (وقد تصرح بذلك علنا) ولكن عقلك اللاواعي يظل متأثرا بها.. أسباب رفضك للمتغيرات حولك يعود معظمه إلى تحول أفكارك القديمة إلى نماذج قياسية تحكم على كل جديد من خلالها..
من أجل هذا لا يغير أغلب البشر الديانات والمعتقدات التي نشأوا عليها.. ومن يملك الجراءة على تغييرها يصعب عليها إزالة تأثيرها من حياته (بدليل أن 87% من الهنود المتحولين للمسيحية في أميركا لا يأكلون لحم البقر تأثرا بثقافتهم الهندوسية الأصلية)..
ولهذا السبب أيضا لا يؤثر التعليم الجامعي (ولا الابتعاث لأرقى الجامعات الأجنبية) على المعتقدات والخرافات التي «تتحجر» بعد سن الطفولة.. في كتاب من يعرف جنيا يتلبسني ذكرت قصتي مع طبيب كندي حاول إقناعي بأن المسيح مات لمدة ثلاثة أيام قبل أن يستيقظ ليدير العالم من جديد.. لم يكن الرجل جاهلا أو غبيا ولكنه ألغى عقله النقدي وتفكيره العلمي وتحدث بلسان من نشأ داخل الأسطورة وتبني الخرافة كمعجزة.. بل وتجاهل أهم سؤال طرحته عليه حينها: ومن أدار الكون خلال هذه الفترة¿!
هذه العقلية المزدوجة تجدها في كافة المجتمعات العالمية¡ حيث يصدق الناس (بجميع مستوياتهم) أموراً خرافية أو مستحيلة لمجرد أنهم سمعوها في سن الطفولة¡ وتحجرت في أدمغتهم بعد سن البلوغ.. أصبحوا يملكون جهاز مناعة فكرياً يطرد أي آراء وأفكار لا تتسق مع ما نشأوا عليه¡ وأصبحوا يحكمون على العالم من خلاله.. لا يشكون مطلقا في صحة الأفكار التي سبقت إلى عقلهم الطفولي¡ ولكن الغريب وحده (الذي نشأ في ثقافة مختلفة) يرى بوضوح كم هي ساذجة ومخالفة لأبسط قواعد المنطق والحس السليم..




إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1562297)