المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الثلاثة



المراسل الإخباري
01-14-2017, 22:12
كان يوماً شتائياً بارداً¡ وقد أخذ الثلاثة طريقهم إلى الحقل وكانت الريح تلفحهم بعنف¡ وقد تلثموا بـ(غترهم) كانوا يسيرون صامتين¡ إلا من بعض الهمهمات¡ وحركات اليدين التلقائية التي تذهب إلى الأنوف¡ والعيون الدامعة من الجوع¡ والتعب¡ والسغب¡ والريح اللافحة.. أقبلوا نحو الحقل الشاحب¡ حيث تقع بعض العصافير على شجيرات “العاقول” ذات الأغصان الشوكية الدقيقة الكالحة.. والعصافير صامتة خاشعة تستدفئ بأشعة الشمس الواهية¡ لا تتحرك إلا مع حركة الأغصان¡ حينما تهزها الريح القاسية الهبوب.. كان وسط الحقل هامداً غافياً ليس فيه شيء إلا ثلاثة أغربة¡ أحدها يعرج ويمشي ببطء¡ وقد نعق مرتين في حزن.. حينما وصلوا لم يجدوا أحداً قد أحظر إفطارهم.. ظلوا ينتظرون ويترقبون ويتطلعون الى الدروب والمطالع لعل أحداً يقبل.. ولكن لا أحد¡ إلا الأغربة الثلاثة التي وقعت ربما بإيحاءٍ غريزي كأنها تنتظر حراثة الأرض لتلتقط ما يخرج من باطنها من خبأ.
خلع الثلاثة “غترهم” عن رؤوسهم¡ وتحزموا بها على أوساطهم¡ وبطونهم الخاوية¡ وقد بدأوا بعزق الأرض.. كانت صلبة قاسية.. تسمع لصوتها¡ والمساحي تضربها رنيناً نحاسياً قاسياً.. فلم تكن الضربة تذهب أكثر من سنتيمين أو ثلاثة… ما للأرض تتمرد عليهم..¿ لماذا تستعصي هكذا وهي صلصالهم¡ وفخارهم الأزلي..¿ ما لها لا تلين رغم قطرات العرق التي تهطل من أجسادهم..¿ واستمروا يحرثون لمدة ساعتين ولكن أحداً لم يقبل إليهم حاملاً إفطارهم¡ ربما نسيهم صاحب الحقل.. فمن هم..¿ مجرد ثلاثة حرفية.. ولما لواهم الجوع أرادوا رفع معنوياتهم المحطمة فراحوا يغنون:
يالله يا والي القدرْ *** تهّون عَلينا حَرثَنا
تعجّل علينا بالمطرْ *** يسِقي وطنّا وزَرعَنا
خارت قواهم¡ وأصبحت المساحي في أيديهم ثقيلة¡ وصارت ضرباتهم واهية¡.. توقفوا قليلاً.. صار بعضهم ينظر إلى بعض في صمت كئيب.. عادوا إلى مساحيهم يرفعونها بوهن¡ ويضربون بوهن.. وفجأة توقف الأوسط وهو يصغي لصوت ضربته كان لها رنين مختلف¡ ضرب مرة أخرى ثم أخرى فأخرى.. توقفوا جميعا فما هذا..¿ تجمعوا كحلقة¡ وأخذوا يضربون المكان بقوة أكثر¡ ارتفع الرنين¡ أخذتهم الحماسة¡ اشتدت عضلاتهم¡ ارتعشت مفاصل أكفهم¡ وراحوا يضربون وينبشون.. ظهر لهم غطاء حجري شبة مستدير حفروا ما حوله ثم اقتلعوه¡ انفجر المكان بنمل غريب¡ وخرج عليهم ثعبان أسود¡ وأخذ يزحف¡ وجلده الرقيق يلتمع تحت أشعة الشمس... خافوا جميعاً.. ذهلوا¡ انبهروا.. كادت قلوبهم تسقط في أحشائهم¡ وبتلقائية الطيور المذعورة رفعوا رؤوسهم نحو السماء... كأنهم يتضرعون¡ كأنهم يستغيثون للاستجارة مما حل بهم.. فاللهم رحمتك جوع ونمل وثعبان..!
سار أحدهم خطوة¡ وأرخى عنقه بحذر وهو يطل في الحفرة... لمح شيئاً¡ ولكنه تراجع¡ ثم إنه تشجع وسارة خطوتين فوق جحافل النمل.. صاح في ذعر: في الحفرة شيء..!! قالها وسط الذهول¡ والرعب الذي كمش القلوب.. انحنى في شيء من الاجفال نحو الحفرة مدّ يده وسحب ذلك الشيء.. رفعه¡ وركض به بعيداً... كانت جرة من الفخار¡ وقد سُدّ فمها بالطين.. نظروا إليها في صمت وعجب.. حاولوا إخراج سدادة الطين ولكنها كانت متحجرة.. فرش أحدهم غترته البالية¡ وحطمّوا الجرة فوقها¡ فتقادح شيء كالشرر في الليلة المظلمة..!! كانت قطعاً صفراء لها بريق¡ ورنين.. بريق ورنين..!!




إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1562739)