المراسل الإخباري
01-20-2017, 22:32
المسرح هو دار الوعي والمعرفة والقيم¡ وقد أضيف أنه مكان لصناعة الإحساس الشفيف وتهذيبه¡ ومن ناحية أخرى هو المختبر الأرشيف لتدوين تاريخ المجتمعات عبر العصور..
لم يكن يوما عاديا ذلك اليوم بالاحتفال بالمسرح وبرواده¡ في مهرجان الدمام للمسرح¡ ولم يكن عاديا ذلك الإحساس بالاحتشاد بجموع المسرحيين السعوديين¡ ولم يكن يوما عاديا حينما وقف مدير المهرجان الكاتب المسرحي عبدالعزيز السماعيل ليلقي كلمته عن المسرح بحب ووعي مفعم بالحنين¡ والشوق واللهفة للمسرح¡ وكانت هذه الدورة باسم الفنان الدكتور بكر الشدي. وكان عمالقة المسرح السعودي يجتمعون أمام شاشة العرض¡ وهي تروي عطاءات هذا البطل والفنان الذي عانى ما عانيناه نحن في زمن كان المسرح يزحف على بطنه¡ ويسحق كل من يقف في طريقة متحديا لنا¡ لأنه هو العملاق ونحن لا نقبل إلا أن نكون أبناء العمالقة¡ فذرفنا الدموع من فرط الألم والنشوة.
المسرح ياسادة – في كل بلاد خلق الله – يوضع في مقدمة اهتماماتها¡ بكتَّابه¡ ودور عرضه¡ ومبدعيه. وهي - وبدون شك أو جدال - عنوان الدول المتقدمة¡ لأن المسرح هو منارة الوعي والمعرفة. قد يتعجب البعض من هذا الحديث¡ ولكن دارسي علوم المسرح يعلمون هذا جيدا¡ فدراسة المسرح¡ ودارسيه لا تقتصر على علوم الفرجة فحسب¡ وإنما يتوجب عليهم دراسة جميع مجالات الفكر من آداب¡ وفلسفة¡ وسياسة¡ وتاريخ¡ وجغرافيا¡ وغير ذلك من العلوم¡ ثم ربطها بعلوم المسرح كل بلد بمافيه في شبكة عنكبوتية متشابكة¡ لنرى في آخر المطاف حال ذلك هذا البلد¡ أو ذاك من خلال مرآة المسرح المقعرة والمحدبة منه¡ فيكشف لنا كل الفكر¡ وكل التقدم¡ أو كل التأخر والزيف عن حال هذه الدولة أو تلك¡ بما لها وماعليها.
أذكر ذات مرة أنني وقفت في أحد السمنارات في أكاديمية الفنون¡ وكنت حينها في السنة الأولى¡ وكنت أستعرض رؤية إخراجية لنص دونجوان للكاتب المسرحي الفرنسي موليير¡ وكنت مكلفة بهذه الرؤية من الدكتور فوزي فهمي نفسه¡ فوقفت محتشدة لأفكاري ولجماليات الرؤية وفكرها¡ وتصميم مناظرها¡ لكن فجأة استوقفني صوت الدكتور وهو يسألني: هل تقومين برسم خريطة العالم لنا ¿ قد يبدو لنا أن هذا السؤال خارج إطار الموضوع¡ فماعلاقة الجغرافيا بالرؤية الإخراجية ¿! لكنه أبدا لم يكن كذلك¡ بل كان هذا الأستاذ يريد أن يعرف كاتبة هذه الرؤية: هل لديها وعي ومعرفة بالعالم¡ وبحدوده¡ وبخلجانه¡ وبيابسته¡ ومياهه¡ ومضايقه¡ لكي تقدم رؤية إخراجية تناقش غزوات دنجوان¿! فالكاتب أو المخرج المسرحي عندما يتناول موضوعا¡ لابد أن يضع يده على كل مدينة¡ أو دولة¡ بتاريخها¡ وجغرافيتها¡ وفكرها¡ واقتصادها¡ وعقائدها¡ لكي يستطيع أن يناقش فكرا¡ ويطرح رؤىº فماذا سيكون عليه حال هذه الطالبة المحتشدة بالأفكار في عامها الدراسي الأول¡ لو لم تكن تعرف كيف ترسم خريطة دقيقة للعالم على لوح أمام أساتذتها¡ وهم بطبيعة الحال سدنة المسرح العربي وبلا منازع! وهذا هو الدكتور حمدي الجابري في السنة الثانية يحملنا بحثا عن: ( ماهي الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية في أوروبا في القرن الثامن عشر من خلال المسرح¿) وبهذا البحث وُضعت أوروبا كلها بين أيدينا¡ كاشفة لنا عن كل مدارات السياسة¡ والفلسفة¡ والاقتصاد¡ والظروف الاجتماعية والسياسة في تلك الحقبة¡ على طاولة المسرح نحلله ونشَّرحه¡ فيقول ما يسكت عنه التاريخ!
هكذا تكون علاقة المسرح بالتاريخ¡ وبالجغرافيا¡ وبالفلسفة¡ والقوانين¡ متقاطعة مع الفكر الذي يطرحة مبدع المسرح - وهذه هي عظمة المسرح¡ وخطورته وتفرده في الوقت ذاته- ويا لخيبته إن تصدر المشهد¡ وهو جاهل بما يتطلبه الفكر المسرحي الذي يحوي في عمق جبَّته كل هذه العلومº بطبيعة الحال سيتحول إلى مسخ¡ كعمله الذي سيمسخ به عقولا تتلقاه إن أساء استعماله!
المسرح يا سادة لم يكن دارا للهو وللترفيه¡ ولعل ما رسخ ذلك في عقول بعض العامة¡ هو ما يكتب على قاعات الحفلات¡ أو على الملاهي الليلية (لافتة) مسرح¡ وهذا خطأ كبير. المسرح هو دار الوعي والمعرفة والقيم¡ وقد أضيف أنه مكان لصناعة الإحساس الشفيف وتهذيبه¡ ومن ناحية أخرى هو المختبر الأرشيف لتدوين تاريخ المجتمعات عبر العصور¡ فلماذا نزج باسمه في مشروعات الترفيه وكأننا نؤكد على ذلك الفهم الخاطئ !
عندما كتب فريدريش دورينمات المسرح وظهرت بوادر النبوغ عليه¡ خُصّص له قصر¡ وخدم¡ وراتب ليتفرغ للمسرح¡ فكتب¡ وأبدع¡ وخلد اسمه بروائع فكره¡ حتى أنه أصبح هناك نزاع على جنسيته بين ألمانيا والنمسا¡ لأنه أصبح معلما من معالم الفكر العالمي.
إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1564505)
لم يكن يوما عاديا ذلك اليوم بالاحتفال بالمسرح وبرواده¡ في مهرجان الدمام للمسرح¡ ولم يكن عاديا ذلك الإحساس بالاحتشاد بجموع المسرحيين السعوديين¡ ولم يكن يوما عاديا حينما وقف مدير المهرجان الكاتب المسرحي عبدالعزيز السماعيل ليلقي كلمته عن المسرح بحب ووعي مفعم بالحنين¡ والشوق واللهفة للمسرح¡ وكانت هذه الدورة باسم الفنان الدكتور بكر الشدي. وكان عمالقة المسرح السعودي يجتمعون أمام شاشة العرض¡ وهي تروي عطاءات هذا البطل والفنان الذي عانى ما عانيناه نحن في زمن كان المسرح يزحف على بطنه¡ ويسحق كل من يقف في طريقة متحديا لنا¡ لأنه هو العملاق ونحن لا نقبل إلا أن نكون أبناء العمالقة¡ فذرفنا الدموع من فرط الألم والنشوة.
المسرح ياسادة – في كل بلاد خلق الله – يوضع في مقدمة اهتماماتها¡ بكتَّابه¡ ودور عرضه¡ ومبدعيه. وهي - وبدون شك أو جدال - عنوان الدول المتقدمة¡ لأن المسرح هو منارة الوعي والمعرفة. قد يتعجب البعض من هذا الحديث¡ ولكن دارسي علوم المسرح يعلمون هذا جيدا¡ فدراسة المسرح¡ ودارسيه لا تقتصر على علوم الفرجة فحسب¡ وإنما يتوجب عليهم دراسة جميع مجالات الفكر من آداب¡ وفلسفة¡ وسياسة¡ وتاريخ¡ وجغرافيا¡ وغير ذلك من العلوم¡ ثم ربطها بعلوم المسرح كل بلد بمافيه في شبكة عنكبوتية متشابكة¡ لنرى في آخر المطاف حال ذلك هذا البلد¡ أو ذاك من خلال مرآة المسرح المقعرة والمحدبة منه¡ فيكشف لنا كل الفكر¡ وكل التقدم¡ أو كل التأخر والزيف عن حال هذه الدولة أو تلك¡ بما لها وماعليها.
أذكر ذات مرة أنني وقفت في أحد السمنارات في أكاديمية الفنون¡ وكنت حينها في السنة الأولى¡ وكنت أستعرض رؤية إخراجية لنص دونجوان للكاتب المسرحي الفرنسي موليير¡ وكنت مكلفة بهذه الرؤية من الدكتور فوزي فهمي نفسه¡ فوقفت محتشدة لأفكاري ولجماليات الرؤية وفكرها¡ وتصميم مناظرها¡ لكن فجأة استوقفني صوت الدكتور وهو يسألني: هل تقومين برسم خريطة العالم لنا ¿ قد يبدو لنا أن هذا السؤال خارج إطار الموضوع¡ فماعلاقة الجغرافيا بالرؤية الإخراجية ¿! لكنه أبدا لم يكن كذلك¡ بل كان هذا الأستاذ يريد أن يعرف كاتبة هذه الرؤية: هل لديها وعي ومعرفة بالعالم¡ وبحدوده¡ وبخلجانه¡ وبيابسته¡ ومياهه¡ ومضايقه¡ لكي تقدم رؤية إخراجية تناقش غزوات دنجوان¿! فالكاتب أو المخرج المسرحي عندما يتناول موضوعا¡ لابد أن يضع يده على كل مدينة¡ أو دولة¡ بتاريخها¡ وجغرافيتها¡ وفكرها¡ واقتصادها¡ وعقائدها¡ لكي يستطيع أن يناقش فكرا¡ ويطرح رؤىº فماذا سيكون عليه حال هذه الطالبة المحتشدة بالأفكار في عامها الدراسي الأول¡ لو لم تكن تعرف كيف ترسم خريطة دقيقة للعالم على لوح أمام أساتذتها¡ وهم بطبيعة الحال سدنة المسرح العربي وبلا منازع! وهذا هو الدكتور حمدي الجابري في السنة الثانية يحملنا بحثا عن: ( ماهي الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية في أوروبا في القرن الثامن عشر من خلال المسرح¿) وبهذا البحث وُضعت أوروبا كلها بين أيدينا¡ كاشفة لنا عن كل مدارات السياسة¡ والفلسفة¡ والاقتصاد¡ والظروف الاجتماعية والسياسة في تلك الحقبة¡ على طاولة المسرح نحلله ونشَّرحه¡ فيقول ما يسكت عنه التاريخ!
هكذا تكون علاقة المسرح بالتاريخ¡ وبالجغرافيا¡ وبالفلسفة¡ والقوانين¡ متقاطعة مع الفكر الذي يطرحة مبدع المسرح - وهذه هي عظمة المسرح¡ وخطورته وتفرده في الوقت ذاته- ويا لخيبته إن تصدر المشهد¡ وهو جاهل بما يتطلبه الفكر المسرحي الذي يحوي في عمق جبَّته كل هذه العلومº بطبيعة الحال سيتحول إلى مسخ¡ كعمله الذي سيمسخ به عقولا تتلقاه إن أساء استعماله!
المسرح يا سادة لم يكن دارا للهو وللترفيه¡ ولعل ما رسخ ذلك في عقول بعض العامة¡ هو ما يكتب على قاعات الحفلات¡ أو على الملاهي الليلية (لافتة) مسرح¡ وهذا خطأ كبير. المسرح هو دار الوعي والمعرفة والقيم¡ وقد أضيف أنه مكان لصناعة الإحساس الشفيف وتهذيبه¡ ومن ناحية أخرى هو المختبر الأرشيف لتدوين تاريخ المجتمعات عبر العصور¡ فلماذا نزج باسمه في مشروعات الترفيه وكأننا نؤكد على ذلك الفهم الخاطئ !
عندما كتب فريدريش دورينمات المسرح وظهرت بوادر النبوغ عليه¡ خُصّص له قصر¡ وخدم¡ وراتب ليتفرغ للمسرح¡ فكتب¡ وأبدع¡ وخلد اسمه بروائع فكره¡ حتى أنه أصبح هناك نزاع على جنسيته بين ألمانيا والنمسا¡ لأنه أصبح معلما من معالم الفكر العالمي.
إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1564505)