المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اقتصادنا بين الرأي الجامد والرأي العميق



المراسل الإخباري
01-29-2017, 18:03
إن وطنًا بحجم مملكتنا المحروسة لهو أهل لرؤى ودراسات عميقة ومؤصلة تضبط اقتصاده على إيقاع متناسق مع مكانة المملكة¡ ومنضبط بأصول عتيقة غير قابلة للمنازعة¡ بعيدًا عن تلك الآراء الجامدة التي لا تفكّر بعمق في بناء اقتصاد مزدهر..
لا يكاد الفرق يخفى على ذي نظر بين اقتصاد المسلمين اليوم وبين ما مر به اقتصادهم عبر العصور¡ ولا سيما عصر النبوة الذي هو أساس ومرجعية الاقتصاد الإسلامي من مبدأ "الحلال والحرام" وهذا الفرق يتضمن لزامًا الفرق بين تجارة الأمس وتجارة اليوم¡ بحسب فارق الزمان الذي امتد وربا عن الألف سنة.
وحيث تكاثر الناس تكاثراً يستحيل معه المقارنة بين الزمانين ظهرت التجارات بأنواعها العصرية الحديثة¡ وتنوعت السلع بحسب حاجة الزمان والكثرة¡ وظهرت أشياء قد لا تكون موجودةً حتى في خيال الأسلاف¡ ومع هذا الانفجار السكاني والتوسع التجاري احتاج الناس للدراسات والبحوث والترتيبات والضوابط التي تخدم اقتصاد الدول وتحافظ على سلاسة التعامل بين الناس دون تأثير تلك الكثرة على سير حياتهم وفقًا للخطط والدراسات الاقتصادية المرسومة.
هنا يظهر دور العقول النيّرة التي تربط بين ماضيها وحاضرها دون أن يؤثّر أحدهما على الآخر¡ ودون جمود وتقيّد بمفاهيم ظاهرية لا تفتح مجالاً وبديلاً حال المنع¡ ولا تلتزم ضوابط عتيقة حال الإذن.
ويحسن بنا هنا إيراد المثال الأسمى الذي أصله نبينا صلى الله عليه وآله كنوع من معالجة واقع دون التأثير سلباً على سير الحركة التجارية¡ فقد جاءه رجل بتمر جنيب (جيد) فقال صلى الله عليه وآله: أكلُّ تمر خيبر هكذا¿ قال الرجل: لا والله¡ إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين¡ والصاعين بالثلاثة¡ فقال صلى الله عليه وآله: لا تفعل¡ بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا. فهنا نبينا صلى الله عليه وآله أظهر المنع والتحريم لعلة عظيمة¡ وهي الربا ففي بعض الروايات "عين الربا عين الربا" ولكن هذا المنع يعد في حكم اللا موجود¡ وذلك لإرشاد النبي صلى الله عليه وآله إلى البديل المناسب الذي لا تؤثر معه حقيقة المنع¡ وهذه الجزئية قد تخفى على كثير من فقهائنا المتحدثين في مجال الاقتصاد الإسلامي من زاوية "لا تفعل" دون النظر لما بعدها من المعالجات¡ وبسبب هذا القِصَر كثرت إطلاقات التحريم في أبواب ومجالات كثيرة من حياة الناس¡ وظن سطحي النظر أنه قد أحاط بكل شيء¡ وأن حاجز المنع هو الأنسب والأحوط كي لا يقع الناس في الإثم¡ ونحو ذلك من الاحتياطات التي أضرت باقتصادات المسلمين كثيرًا¡ ولو ترك الأمر لأهله من أهل الاقتصاد والنظر لاستوعبنا كثيراً من الإشكاليات التي هي محل نزاع بين هؤلاء وهؤلاء.
إن وطنًا بحجم مملكتنا المحروسة لهو أهل لرؤى ودراسات عميقة ومؤصلة تضبط اقتصاده على إيقاع متناسق مع مكانة المملكة¡ ومنضبط بأصول عتيقة غير قابلة للمنازعة¡ بعيدًا عن تلك الآراء الجامدة التي لا تفكر بعمق في بناء اقتصاد مزدهر¡ ويكفي ما قد تذبذبت تجارات وهزلت برامج وخطط لرأي عابر ونظر قاصر تراجع عنه صاحبه بعد حين وبقيت تبعاته وآثاره ظاهرة في حياتنا.
إن قوة الاقتصاد تأتي أولاً من وعي المواطن وتفهمه بمدى تأثير أفعاله وبيعه وشرائه على الاقتصاد¡ فمجرد التفكير في أن تكون مواطنًا منتجًا يعد لبنة في بناء الاقتصاد¡ واقتصادك كفرد مهما عظم أو قوي فإنما يستمد قوته وبقاءه من قوة اقتصاد الدولة¡ فالارتباط بين وعي المواطن واقتصاد بلده وثيق جدًا¡ وانفتاح العقل مع ما يغزو الأسواق من تجارات تعود بنفعها على الصالح العام¡ وأساليب حياتية متجددة بصورة قد لا تتوافق مع المرسوم في الذهن عن المجتمعات المسلمة سالفًا¡ وهذا يعد خطوة إيجابية في إعمال العقل لبناء الحياة¡ شريطة اجتناب المحظور البين الذي لا يختلف على منعه اثنان.




إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1566805)