تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مدن برمائية!



المراسل الإخباري
02-19-2017, 19:47
من الغرب إلى الشرق¡ ومن الشمال إلى الجنوب¡ اجتاحت الأمطار الغزيرة مناطقنا بمحافظاتها وقراها¡ في تكرار لأحداث سابقة¡ بدأت في جدة¡ مروراً بالرياض وحتى تبوك.
وفيما تغطي الأمطار معظم شوارع المنطقة الشرقية¡ كانت المفاجأة في أبها التي اعتادت مواسم المطر بحكم موقعها الجغرافي¡ إلا أن الأمور اختلفت هذه المرة.
من أعالي قمم السروات¡ وصولاً إلى شواطئ البحر الأحمر¡ شقت الأودية طريقها في ذاكرة المكان¡ وكانت هذه المساحة الفاصلة بين المدنية والطبيعة في اتفاق بين الإنسان ومحيطه¡ لا يحق لأي طرف الإخلال به.
أجدادنا يعرفون ذلك دون الحاجة إلى الحصول على شهادات عليا في الهندسة والتخطيط¡ ويكفي أن تنظر إلى المواقع التي يختارونها لبناء منازلهم¡ لتتأكد بأن الخبرة والفطرة السليمة تدفعانهم للابتعاد عن مسار الأودية ومجاريها¡ حتى لو هجرها الماء لسنوات وسنوات.
فوق سطح كل بيت¡ وفي كل حارة وقرية¡ مزاريب وممرات بدائية للماء¡ لكنها فعالة في تصريف الفائض منه¡ حتى في طريقتهم لبناء السدود الترابية¡ تبدو التجربة ماثلة في استخدامهم لأبسط ما توفر لديهم لحماية أنفسهم¡ ومزارعهم من الفيضانات والغرق.
جئنا نحن في هذا الجيل لنسطو على كل مساحة يمكن وضع اليد عليها¡ فاستعمرنا البيئة المحيطة بنا بالمخططات المشبوهة¡ والطرق الهشة التي بنيت في مسارات الأودية¡ دون تقدير لحجم الخطر الذي يمكن أن يمثله ذلك على حياتنا وسلامة ممتلكاتنا.
أي شيء يمكن تعويضه إلا الأنفس¡ فخسارة طفل مثل نواف الذي تركه أبوه أمانة لدينا فيما هو يحمي حدودنا في نجران¡ لا يعوضها العزاء¡ ولا المواساة المشوبة بتبادل الاتهامات.
العزاء الحقيقي لكل روح خسرناها في حوادث سببتها السيول والأمطار¡ يعتمد على القيام بمراجعة وطنية شاملة لكل المدن السعودية دون استثناء للتأكد من قدرتها على التعامل مع هذا الكم الهائل من المياه¡ والأهم انسجامها مع محيطها الجغرافي بطريقة لا تجعلها في تحدٍ محكوم بالفشل مع قوى الطبيعة.
في الأخير.. لا بد من وضع حدٍ لهذا السخط الذي يتجدد مع كل موجة مطر تغمر منازلنا وأحياءنا¡ إذ لا يمكن الاستمرار في كيل الاتهامات للبلديات¡ والمواصلات¡ دون وجود تحقيق رسمي يضع الأمور في نصابها¡ فإما الإقرار بالتقصير¡ ومحاسبة المسؤول عنه¡ أو الإيمان بوجود تغيرات مناخية خارجة عن إرادة الإنسان¡ لا يمكننا معها إلا التسليم بقضاء الله وقدره.




إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1572043)