تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : كراكيب



المراسل الإخباري
03-06-2017, 11:39
كل شيء في هـذه الدنيا¡ له عند بعـض الناس¡ سحـره الخاص¡ لكنني لم أرَ سحراً¡ وولعـاً¡ مثل ولع بعض الناس بالكراكيب أو الروبيكيا¡ وقد صادفت من هؤلاء الناس¡ عينات كثيرة¡ يستبد بهم الخوف¡ لمجرد التفكير في التخلص¡ من كرسي¡ أو طاولة¡ أو بدلة¡ مع غناه¡ وكثرة ما عنده¡ من الأثاث والملابس! وهناك شخص كنت أعرفه¡ كان حالماً يقبل الشتاء¡ يخرج ثوباً صوفياً¡ يرتديه¡ مرة أو مرتين¡ ثم يخرج آخر¡ وهكذا. ثوب أو ثوبان¡ مكثا لديه أكثر من عشرة أعوام¡ ولم تختفِ مناظر هذه الملابس¡ إلا باختفائه عن ناظري¡ ولم أجرؤ على سؤاله¡ لماذا هذه الملابس بالذات¡ تخرج ثلاث أو أربع مرات في العام¡ ثم يتم تشوينها¡ حتى العام القادم¿ وشخص اقتنى جهاز "جوال" منذ دخوله إلى أسواقنا¡ ولمدة زادت على عشر سنوات¡ فكان مع كل مكالمة ينزع الأنتل من بيته إلى أعلى لتلقي مكالمة ثم يعيده إلى مكانه¡ جوال يحتاج إلى مرافق ليحمله معه¡ ومع ذلك فقد كان صاحبنا سعيداً به¡ حريصاً عليه¡ ولولا سقوطه¡ في مكان للوضوء¡ لبقي معه حتى الآن!
أما الصديق العربي¡ الذي جاورته¡ فقد كان حفياً¡ بكل ما يراه في طريقه¡ علب¡ قوارير¡ أسلاك¡ أجهزة¡ ومع الأيام¡ أصبحت بلكونة منزله¡ مستودعاً للأشياء القديمة¡ التي يتفقدها¡ يقلبها بين يديه بإعجاب¡ يصفها¡ كلما وجد وقتاً في نهاية الأسبوع¡ يجلس أمامها وكأنه هاو للطوابع أو العملات¡ أو الصور¡ لا يخرجه منها¡ أو يبعده عنها¡ إلا هاتف¡ أو عمل.
هناك من يقول¡ إن الولع بالأشياء القديمة¡ عادة أجنبية¡ صبها في دولنا ومجتمعنا¡ المستعمر¡ الذي يفتخر¡ ويحتفي¡ بكل قديم¡ حتى أنه نزح¡ بهمة ونشاط¡ كل ما لدينا¡ من الآثار الحجرية¡ والمعدنية¡ والذهبية¡ نزحها إلى بلاده¡ حيث احتلت أرفع الأمكنة¡ في متاحفهم¡ وقصورهم¡ وهم يحتفون بكل شيء قديم¡ فالقصور في الدول الأوروبية¡ تعمر طويلاً¡ ويتم تغيير¡ النافق من الطوب والحجارة والأخشاب¡ قطعة قطعة¡ ولديهم وسائل¡ لعلاج الأمراض¡ التي تصيب الخشب والحجر والتربة¡ وقد صحونا¡ بعد ذهاب المستعمر¡ على فقر مدقع في كل شيء يذكرنا بماضينا من الطين والمعادن والأحجار والصور والمخططات والخشب!
الأجنبي يفتخر بالكرسي¡ الذي جلس عليه جده¡ وبالمشط الخشبي الذي تخلل شعر أمه¡ وبالإبريق الذي كان جده يصب منه الماء على ضيوفه¡ أما نحن فإن كل هذه الأشياء بالنسبة لنا "كراكيب" نحرص عليها في منازلنا¡ نخزنها¡ وحالما نموت¡ يعمد من ضايقتهم هذه الأشياء إلى رميها في الزبالة!
رغم عدم حبي للكراكيب¡ إلا أنني بت أحترم من يحرصون عليها¡
ليست بالتأكيد مثل ثوب أخونا السالف الذكر¡ وأخونا صاحب "الجوال" مثل هذه الأنتيكة ببساطة¡ لا تمثلنا¡ لأننا لم نصنع الثوب¡ ولم نفصله¡ ولم نخترع الجوال¡ نحن مستهلكون¡ علينا الاستهلاك¡ وعليهم الحرص¡ والاحتفاء بأقدم ثوب وأقدم جوال فهي تخصهم!




إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1575494)