المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إرهابي



المراسل الإخباري
03-06-2017, 11:39
ليس سهلاً أن تكون بداية ممثل ناشئ مع عبقري الإخراج ستيفن سبيلبيرغ¡ إنها المعجزة في حدّ ذاتها. فهذا الرجل لم يتحدّ عالم السينما ورجالاتها فقط بل تحدّى التاريخ.
إن قربنا الصورة لنجد مثيلاً له في عالمنا العربي فربما يوسف شاهين يضاهيه في حجم الشهرة داخل إطار جمهوره وفضائه الثقافي. أما أبعاد سبيلبيرغ فإنها كونية¡ حتى إنّه أقلع بصاروخ أفكاره خارج الغلاف الجوي¡ وقطع مسافات بين المجموعة الشمسية¡ ووضع نظرية للخلق¡ ونظريات أخرى لاكتمال الحياة بكل أنواع مخلوقاتها.
صناعة الأفلام بالنسبة له تجاوزت فكرة كتابة قصة وتوزيع أدوارها على ممثلين¡ أصبحت أوسع من استيعابها سواء في لملمة قطع الليغو المبعثرة لأحداث تاريخية مرعبة¡ أو جمع معطيات العلم وتحويلها لفانتازيا فنية متقنة¡ يصعب القول إنه الرجل الذي يحوّل التراب إلى ذهب¡ لأن لمسته السحرية على مشغولاته تتسلق سلم الإيرادات بشكل غير طبيعي¡ وتفتح مغارات علي بابا ومخابئ كنوز الدنيا بمفاتيحه السرية التي تمكن منها بحنكته وموهبته الربانية الفريدة. لكن سبيلبيرغ كبداية لعمر القاضي لم تكن فاتحة خير عليه¡ فالدور الصغير الذي أداه في الفيلم الشهير "ميونيخ" جعل صناع السينما لا يرون الشاب ذا الملامح العربية إلا في دور الإرهابي¡ وتحديداً بلثام المسلم المتطرف الذي يرعب الأميركيين وأسلافهم الصالحين في أوروبا. وفي حوار أجري معه مؤخراً في "الأنديبندنت" وتناقلته وسائل الإعلام بعد ترجمته لعدة لغات يصدمنا أنه رفض ثلاثين سيناريو منذ بلوغه سن الـ26 كلها تريده أن يجسد دور الإرهابي العربي المسلم!
حسب المفاهيم الغربية فإن ابن الرابعة عشرة الذي أدى دور ابن الإرهابي في فيلم شيخ المخرجين الأميركان لا يمكنه سوى أن يكون إرهابيا بالوراثة¡ يكبر فيرث مهنة أبيه¡ يتدرب على تركيب القنابل¡ والأحزمة والناسفة واستعمال مختلف الأسلحة الفتاكة ويشد الرحال عند سن النضج نحو أوروبا أو أميركا لتفجير أعداء أبيه.
لا موضوعية لدى كتاب السيناريو والمخرجين -حتى وإن بلغوا مستوى سبيلبيرغ- لخلق أدوار أخرى لهذا العربي المنبوذ الذي يشاركهم الخبز والملح في عقر دارهم¡ لا رؤية واضحة للتنوع البشري الذي تتميز به أرض الله سواء عندهم أو عندنا¡ فالعربي المسلم إرهابي وكفى بالله حسيباً.
كثير من الظل يغمر الشخصيات العربية الناجحة في الغرب¡ من مهندسين وأطباء ورجال أعمال ومبدعين وأدمغة¡ واللوم كل اللوم ليس على سبيلبيرغ بسطوة شهرته العالمية التي رسخت صورة الإرهابي الصغير على عمرو القاضي¡ وعمر متولي وآخرين¡ إنما على إعلامنا وصناع الدراما عندنا¡ والذين برعوا في إطفاء المصابيح حيث يتواجد هؤلاء.
عمرو القاضي نفسه كان من الممكن أن يكون نجماً في أعمال عربية كثيرة¡ ويمنح بحضوره بريقاً خاصاً للدراما العربية¡ لكن أهل الصنعة في بلادنا الواسعة تضعه في دكّة الاحتياط¡ وتتفرج عليه مثل أي لاعب احتياط في المنتخب الوطني¡ فهو محظوظ وسيئ الحظ في الوقت نفسه. ولنا في تجربة الراحل عمر الشريف عظة¡ هو الذي عاش عمراً طويلاً نصفه على كرسي الاحتياط¡ وبعضه في أدوار انتقته لملامحه العربية¡ وأخرى انتقاها بصعوبة ليثبت وجوده رافضاً أكواماً لا تعد ولا تحصى من النصوص التي لم تعجبه لأنها صنفته كعربي.
يا للحسرة..!




إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1575263)