المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المخترعون والشعراء.. (1 إلى 50)!!



المراسل الإخباري
04-13-2017, 08:38
التوازن والأولويات ضرورة في بناء المجتمعات.. ومؤسسات الدولة بإمكانها أن تسهم إسهاماً كبيراً في إعادة صياغة وعي مجتمعاتها على نحو يستجيب لمشروع التحديث والتطوير والبناء المتجدد.. والخشية أن تتهاوى أفكار بناء مجتمع المعرفة في الوعي العام أمام انحسار صورة العالم والباحث والمبتكر إلى ظلال خافتة لا نجومية فيها...
يأتي الإعلان عن جائزة خادم الحرمين الشريفين لتكريم المخترعين والموهوبين.. دعما للبحث العلمي والتطوير والابتكار في مجالات العلوم والتقنية متضمنا دعوة الراغبين في الترشح أو الترشيح لهذه الجائزة التي تبلغ قيمتها مليون ريال تمنح لعشرة فائزين وبما لا يتجاوز مئة ألف ريال للفائز.
وفي الوقت الذي يتم فيه الإعلان عن هذه الجائزة¡ يظهر إعلان آخر لجائزة الملك عبدالعزيز للأدب الشعبي تضم ثلاثة فنون (الشيلات والشعر النبطي والمحاورة) بجوائز تصل قيمتها إلى 24 مليون ريال حيث يحظى الفائز الأول بخمسة ملايين ريال والثاني بمليوني ريال والثالث بمليون ريال وهي موزعة على ستة فائزين.
الجائزة الأولى تهدف لدعم الباحثين والمبتكرين في مجالات العلوم والتقنية والمنتجات القائمة عليها دعما للتحول إلى مجتمع المعرفة.. والأخرى تُعنى بفنون الشيلات والمحاورة والشعر الشعبي.
وكلا الجائزتين لها مكانها في مجتمع يقدر الإبداع.. إنما اللافت تلك القيمة التقديرية التي تمنح لجائزة الشيلات والمحاورة والشعر الشعبي.. في مقابل احتباس التقدير في سقف مادي محدود مقارنة بالأخرى.. مما جعل النسبة بينهما (1 إلى 50)..
وهنا تحرض الأسئلة بعضها.. فهل هذا التفاوت الكبير يعبر عن تقدير المنتج أم استجابة لثقافة مجتمع¿ هل الأمر يسكن في وعي غير قادر على فهم المرحلة وشروطها ومحاولات بناء مجتمع العلم والإنتاج والتقنية أو مجتمع المعرفة كما هو العنوان الأثير¿ أم أن هذا جزء من سياق ثقافة تعلي شأن الشاعر بينما يتراجع في وعيها دور وأثر العالم والباحث والمبتكر والمخترع الذي يمكن أن يتحول إبداعه إلى خط إنتاج وعائد اقتصادي ومجتمع علم ومعرفة..
ليست المسألة في الفروق المادية الكبيرة فقط بين قيمة جائزتين.. ربما كانت الأولى موجهة لفئات تتحرك باتجاه ترسيخ مفاهيم العلم والاختراع.. وربما عدها البعض مناسبة في هذه المرحلة.. لكن من غير المنطقي تلك الأخرى التي تحلق بالشعر والمحاورة والشيلات إلى آفاق الملايين.. ناهيك عن المعنى الذي سيرسخ في عقل جيل¡ حيث تصبح بضاعة الكلام أكثر أهمية وقيمة من كل عناصر الإبداع والاختراع.. على الرغم من أن منتجات التقنية الصوتية ساهمت في انتشار سوق الشعر والشيلات بما يعود على المنتج بالمال¡ ويعود على المستهلك بالسماع والانتشاء!!
ليست ثمة خلاف حول تقدير الإبداع سواء كان شعرا أو منتجا تقنيا.. فالإبداع لا يمكن حصره واختصاره ونفي بعضه.. إنما المفارقة التفاوت الكبير في هذا التقدير.. سواء كان تقديرا ماديا أو معنويا لا يحتاج حضوره ورسوخه في الوعي العام إلى دليل.
إذا كنا في مرحلة تحول¡ ونستهدف بناء مجتمع المعرفة¡ ونتطلع إلى تطوير مشروع كبير للإنتاج التقني المتقدم الذي يصب في حصاد الاقتصاد الوطني.. فنحن نعمل في جزر معزولة.. وكأن لا علاقة لبعضها بالبعض الآخر.. ناهيك أن الأمر يتجاوز مسألة انحياز لمجال تخصص أو اهتمام.. المسألة هي المستقبل.. والمستقبل الذي نتطلع إليه مستقبل أجيال تدرك قيمة العلم وتدرك أهمية الاختراع¡ وتعلي شأن العلماء وتقدر إنتاجهم وتدفع في الذاكرة الشعبية بعيدا نحو إدراك أهمية هذا المشروع ومردوده على الفرد والمجتمع وضرورة الانخراط فيه.
في المجتمعات المتقدمة علميا واقتصاديا وقطعت خطوات كبرى في مجال بناء الإنسان.. ستجد ثمة توازنا في مجالات الإبداع.. سترى أن العالم الباحث يتحتل موقعا مرموقا في مجتمعه¡ ويحظى بأهمية خاصة في سياق إدراك أن العلم والبحث والتطوير هي المعبر لتحقيق المستحيل أحيانا.
بينما يجد الفنان والمغني واللاعب والشاعر حظوظه وحضوره.. لكن ظلت هناك أهمية تتوجه نحو الأول باعتباره الرهان على المستقبل.. فللعلم هناك نجومه وحضوره ويحظى بتقدير بالغ.. وظلت الشركات الكبرى تدفع بدعم كبير ومستمر لتطوير منتجات وابتكارات بلا تردد.. حيث تتحول إلى خطوط إنتاج يلتهمها العالم المستهلك.. وفي هذا العالم المستهلك من لا يدرك تلك الصلة الراسخة بين العلم والبحث والتطوير والابتكار والاختراع والثقافة السائدة.. بل إنه أحيانا يوظف تلك المنتجات في تعميق شروخ التراجع.. ويعيد عبرها نشر منتجاته التي لا تتجاوز ثقافة اللامعنى والثرثره وقد تتحول أحيانا على يديه إلى أدوات تقويض.. ولم يكن العيب يوما في الأداة بل في توظيفها واستخدامها.
إن أخطر ما تلقى به هذه المفارقات في عقل النشء¡ ذلك التقدير والاهتمام الذي يناله شاعر شعبي.. بينما لا يرى ملامح لعالم أو مبدع أو مبتكر.. حتى يستقر في الذهن ويحتل المساحة الأوسع في العقل والوجدان ذلك الصخب الصوتي بما يحمل أحيانا من محاذير خاصة عندما يتجاوز حدوده في الفخر والانتشاء بالذات في مجتمع مازالت العصبية تحتل وجدان جيل الواتس أب والفيس بوك إلى جانب ممثليها من شعراء المحاورة والشيلات.
وقس على ذلك ما يحدث في رياضة كرة القدم.. حيث يعلم النشء عن لاعب وعقود شراء خدماته وعدد أهدافه ومشكلاته وعلاقاته.. بينما لا يعرف شيئا يذكر عن عالم سعودي يتحدث الغرب اليوم عن إنجازاته¡ أو باحث مميز اقتصرت سمعته على مختبره وأصداء بحوثه في دوائر علمية ضيقة.. وقد يعرف استخدامات منتجات التقنية التي بين يديه¡ وهي في الأصل ثمرة البحث والتطوير العلمي.. لكنه يجهل دور العلم المنتج في تقدم مجتمعه وفي تعزيز موارده وفي بناء مستقبله..
التوازن والأولويات ضرورة في بناء المجتمعات.. ومؤسسات الدولة بإمكانها أن تسهم إسهاما كبيرا في إعادة صياغة وعي مجتمعاتها على نحو يستجيب لمشروع التحديث والتطوير والبناء المتجدد.. والخشية أن تتهاوى أفكار بناء مجتمع المعرفة في الوعي العام أمام انحسار صورة العالم والباحث والمبتكر إلى ظلال خافتة لا نجومية فيها.




إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1584296)