المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقصلة القطعيات



المراسل الإخباري
05-01-2017, 23:38
لابد لنا أن نتساءل عن طبيعة المناخ الفكري الثري والمتسامح الذي أنتج موقف الإمام الغزالي من الغناء ¿
فقد أورد في كتابه أحياء علوم الدين فتواه المعروفة حول الغناء (لايجوز أن يحرم من حيث إنه كلام مفهوم مستلذ مؤدى بأصوات طيبة , وألحان موزونة) , بل أنه أفرد فصلا كاملا (لآداب السمع والوجد), والتي خرج منها مقولته الشهيرة المتداولة ( من لم يحركه الربيع وأزهاره, والعود وأوتاره, فهو فاسد المزاج , ليس له علاج).
وفتوى الغزالى ليست نقلية حشوية تقوم على عموم اللفظ , بل توظف الاستدلال والاستنباط والقياس وجميع الأدوات الفلسفية التي تسربت إلى النشاط الفقهي في ذلك العصر .
وهو أمر يثير الفضول لأن القرن الخامس الهجري, لم يكن زمنا متسامحا على المستوى الفكري, وهو أيضا زمن الوثيقة القادرية, والتي كانت كالمقصلة ضد النشاط الفكري والفلسفي في تلك المرحلة, ولكن رغم هذا ظهرت فتوى الإمام الغزالي مجدولة ببعد فلسفي وجدلي عميق.
وعندما ألف الإمام الشوكاني كتابه(إبطال دعوى الإجماع في تحريم مطلق السماع) في القرن الثاني عشرالهجري, في قرية شوكان الصغيرة المغمورة في اليمن, ولم يكن هنا أي من المؤشرات تشير إلى عوامل طارئة خلقت هذه التعددية الفقهية المتسامحة, أو انفتاح على عوامل حضارية وتأثر بأفكارها بالشكل الذي يجعلها تراجع بعض المواقف الفقهية الحذرة من الغناء, ورغم هذا ظهر مؤلف الإمام الشوكاني المجيز للغناء, فيبرر تأليفه للكتاب بهدف الذب عن أعراض الصحابة الذي كانوا يستمعون للغناء فيقول (إنّ في الناس من يوهم لقلة عرفانه بعلوم الاستدلال, وتعطل جوابه عن الدراية بالأقوال , أن تحريم الغناء بالآلة وغيرها من القطعيات المجمع علي تحريمها, وقد علمت بأن هذه فرية مافيها مزية, وجهالة بلا محالة, وقصور باع بغير نزاع, فهذا الأمر الباعث على جمع هذه المباحث ).
الإمام الغزالي والإمام الشوكاني رغم بعد الشقة الزمنية بينهما التي تمتد لسبعة قرون لم يكونا الوحيدين اللذين أباحا السماع والغناء والمعازف, بل كان هناك مجموعة كبيرة من الآراء الفقهية التي أباحته من القدماء والمحدثين وصولا إلى عصرنا الراهن, لنصل في النهاية إلى أن رأي تحريم الغناء وإباحته عاشا متجاورين على امتداد تاريخ الإسلام , بعيدا عن القطعيات بالتحريم .
الزبدة ...
فكر القطعيات ذو الحقيقة الأحادية هو فكر مخيف, فكر استئصالي متوحش, فكر يشبه المقصلة التي تجز كل براعم النشاط الفكري الإنساني, الفكر القطعي الذي يستأثر بالحقيقة ويجدها ذريعة ليجرم الآخر المختلف, هو فكر بدائي عاجز على أن يؤسس حضارة ويقيم عمراناً.




إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1590172)