المراسل الإخباري
05-05-2017, 05:57
الحقيقة أن لهذه الأزمة عنصرين هامين¡ أولهما غياب الناقد وفرز الغث من الثمين¡ وثانيهما تدخل رأس المال في الطباعة والنشر والتسويق لغثهاº ثم غياب التسويق الثقافي المنوط بوزارة الثقافة وليس أصحاب الأقلام¡ فالوزارة يتوجب عليها استحداث قسم للتسويق الثقافي لما يرتقي من الأعمال¡ لكي نضع يد القارئ على أول خطوة واثقة في طريق القراءة واستعادة ثقته..
تساءلت وتساءل الكثيرون عن أزمة الثقافة العربية وظهور متثاقفين لا يرقى إبداعهم إلى مستوى المسمى وحامله¡ فحملات المطابع وحفلات التوقيع وكثرة المعروض غير المحكّم والمصرَّح والمُجاز أفقدت القارئ الكريم ثقته فيما بين يديه.
والحقيقة أن لهذه الأزمة عنصرين هامين¡ أولهما غياب الناقد وفرز الغث من الثمين¡ وثانيهما تدخل رأس المال في الطباعة والنشر والتسويق لغثهاº ثم غياب التسويق الثقافي المنوط به من وزارة الثقافة وليس أصحاب الأقلام¡ فالوزارة يتوجب عليها استحداث قسم للتسويق الثقافي لما يرتقي من الأعمال¡ لكي نضع يد القارئ على أول خطوة واثقة في طريق القراءة واستعادة ثقته.
أما غياب النقد وتجاهل النقاد المتخصصين وتهميشهم في الواقع الثقافي فهذه كارثة¡ فلم يرتق الإبداع المصري إلا على يد رشاد رشدي¡ وإبراهيم حمادة ويحيى حقي¡ ولويس عوض وغيرهم ممن وضعوا يد القارئ على غلاف نص محكم¡ فكان حينها الكتاب أغلى ما يمتلك الفرد بل يتباهى أنه امتلكه!.
إن انتقال النقد من المفهوم الجمالي المعهود إلى كونه علماً من العلوم جعل المفاهيم النقدية العربية -وتعدد "أبستيمولوجيا"- النقد في حيرة¡ وذلك يرجع إلى تدفق العديد من النظريات وخصوصاً في النقد الحديث¡ ففريق يعتنق هذه النظريات الحديثة وفريق يقف ضدها كونها غريبة وشاذة عن القيم العربية ودياناتها ولغتها¡ وأيضا عاداتها وأغراضها¡ فالإبداع نطاقا من نظريات وأسس تكونت عبر التاريخ الإنساني نتيجة تطور المعارف الإنسانية والعلوم المختلفة¡ وكانت تساعد الناقد وتقدم له يد العون حتى يكون تقييم الناقد للعمل المسرحي والشعري تقييما¡ والروائي موضوعيا عادلا¡ قائماً على معيار نقدي لا دخل فيه للنزاعات الشخصية أو لمعارف الشخصنة تتأرجح بين نظريات عربية وغربية غير مستنبتة من تربة عربية تعمل على الإستئناس والأنس¡ مما جعلت الناقد العربي يقف بين القديم والحديث وبين النزاعات الفردية فى جو من الاغتراب¡ هذا الاغتراب يطال بدوره القارئ¡ ومن أوضح آثار ذلك عجز الناقد عن تحقيق وجوده الأصيل بوصفه ناقدا عربيا ينتمى إلى ثقافة مازال لها خصوصيتها التاريخية والحضارية¡ ولم تفتتها قيم ومعايير النظام العالمي الجديد¡ فحين قرأت كتاب "توماس فريدمان" العالم مسطح¡ ووجدت استبعاد العرب من خارطة كتابه في خارطة العالم الجديد¡ ربطت بيت المسطح الذي افترضه فريدمان وما ينتجه من امتداد لا نهاية له¡ والإحساس بهذا الامتداد ينتج الغربة والوحشة لا محالة¡ لأن كلما امتد النظر إلى ما لا نهاية كان هناك أفق مجهول والمجهول دائما مخيف¡ والخوف آلة مدمرة للحضارة وللنفسº وعلى النقيض حين نتخيل أن الكرة كروية كما عهدها أجادنا¡ لا ان الكرة "مستديرة" -بالطبع- وبالتالي يحدث التماس والتلاقي واختفاء الخوف والقلق لأن الأفق معلوم والكرة تحتوي من فيها في تماس معرفي واجتماعي وحضاري ونفسي. فكان العالم الجديد عالما موحشا ومخيف إذا ما صدق فريدمان لأن أفقه مظلم لا يتلاقى مع الآخر فالمستقيمات لا تتلاقى مهما يكن¡ وتلك هي نظرة فريدمان الطاردة¡ والتي تظهر في ظاهرها حاضنة. إلا أن المسطح لا يحتوي أطرافه¡ وقد افترضت أن النقد هو العامل المعرفي عدو الغربة¡ والأنس هو صانع الحضارات والتقدم في شتى المجالات¡ وبالتالي كان لزاما علينا البحث عن الأنس عبر خطاب مستأنس¡ وللنقد باعه الأول في هذا الشأن.
فإذا كان معنى النقد في اللغة العربية هو التميز بين جيد العملة "فضية أو ذهبية" وبين زائفها¡ فهذا يستلزم من الناقد الخبرة والفكر "المعيار النقدي على أسس معيارية" ثم الحكم¡ وهذا هو المعنى القريب من الأصل الاشتقاقي لكلمة نقد في اللغات الأوروبية¡ والنقد بالإضافة لكونه علما من العلوم الإنسانية إلا أنه أيضا "ملكة من ملكات الآذان" فالإنسان فطر على الحكم على ما يقع أمامه من الأشياء وتفضيلات الأطفال أحسن نموذج على ذلك¡ لكن هذا الحكم كثيرا ما يفتقد العلة والتبرير للتفضيلات وهو ما يمكن تسميته "النقد الساذج"¡ ولكي يعرف الإنسان السبب وراء تفضيلاته يجب أن تكون لديه الخبرة والمعرفة الأصيلة بقواعد وأسس اختيار الجيد من الردئ¡ وهذا ما يفتقده النقد في عالمنا الثقافي المعاصر¡ والمعرفة هي إحدى ركائز الناقد إن جاز التعبير¡ وإذا ولجنا إلى أغوار المعرفة -هذه الكلمة التي حيرت العلماء والباحثين عبر العصور- نجدها تأخذ مناحٍ عديدة فلسفية وعلمية تجعلها جوهرية تحمل في ثناياها خلاصة المجتمعات البشرية الآتية من عمق التاريخ في ديمومة بحثية لا تنتهي¡ ولذلك فالفلسفة تشغل حيزاً كبيرا من أدوات الناقد "فالمطابع مغازل والباحثون ديدان قز¡ فاحذر أن تتعقد حولك خيوط الحرير"¡ وهذه مشكلة من مشاكل النقد الحديث¡ فعندما نتحدث عن الناقد ودوره فى العملية الإبداعية¡ فإننا نتحدث عن عصب هام في مهمة المبدع وأثره على المتلقي¡ وبالتالي المجتمع حتى يصل الأمر إلى الفرد الواحد داخل البنية الاجتماعية¡ فالناقد هو تلك القناة التي يتم من خلالها فهم وتوصيل الرسالة¡ ثم صياغة الوجدان الجمعي في نهاية الأمر¡ حيث إن العمل الإبداعي رسالة من مرسل إلى متلقٍ¡ والناقد هو ذلك الوسيط الذي يتناول بالتحليل والتفسير لكي تصل الرسالة المنشودة وبالتالي رفض كل ما هو رديء في رسائل ثقافية تعمل على تشتيت الصورة الحقة أو تسئ لها¡ وفي ضوء ذلك الزخم من المدارس النقدية يقف الناقد إما معتنقا كما أسلفنا فيكون من أصحاب الفكر النخبوي المتعال على حساب المتلقي العادي¡ وإما متمسكا بتلابيب القديم المعهود فيوصم بالرجعية والجهل وقليل الخبرة. مما جعل النقاد يتنافسون في استصدار مصطلحات نقدية تحتاج إلى معاجم نقدية حذرا منهم أن يوصموا بتلك السمة¡ وتحت تأثير التقدم العلمي في حقل الفيزياء خاصة¡ أصبح النقد أبستمولوجيا في قرننا هذا¡ أي أنه أصبح خطابا حول أسس الخطاب العلمي نفسه كما مع الفرنسي "غاستون باشلار"¡ فيشهد زماننا الحالي هجوما مركزا على المسلمات التي كانت ترتكز عليها المعرفة كبراءة العلم وسلطة العقل ومركزيته¡ ويكفي أن نذكر في هذا المضمار عمل الألماني "يوجينى هاربر" والفرنسيين "ميشال فوكو " و "وجاك درايدا" و"هيليس ميلر¡ وبوب دي مان وجيفري هارتمن وهارولد بلوم ولويس جولدمان وبارت وغيرهم": إن العلوم الإنسانية من اقتصاد وألسنة وتحليل نفس قد زعزعت الثقة بالصرح الإنساني¡ ومن هنا كانت الصعوبة القصوى في الحديث عن أي نظريات -في والشعر والفن بصفة عامة والمسرح بصفة خاصة- تبدو الآن وكأنها فقدت البوصلة التي تستطيع أن ترشد إلى الاتجاه الذي تسير فيهº إذ تخلخلت الأسس التي تقوم عليها يقينية المعيار النقدي.
إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1591327)
تساءلت وتساءل الكثيرون عن أزمة الثقافة العربية وظهور متثاقفين لا يرقى إبداعهم إلى مستوى المسمى وحامله¡ فحملات المطابع وحفلات التوقيع وكثرة المعروض غير المحكّم والمصرَّح والمُجاز أفقدت القارئ الكريم ثقته فيما بين يديه.
والحقيقة أن لهذه الأزمة عنصرين هامين¡ أولهما غياب الناقد وفرز الغث من الثمين¡ وثانيهما تدخل رأس المال في الطباعة والنشر والتسويق لغثهاº ثم غياب التسويق الثقافي المنوط به من وزارة الثقافة وليس أصحاب الأقلام¡ فالوزارة يتوجب عليها استحداث قسم للتسويق الثقافي لما يرتقي من الأعمال¡ لكي نضع يد القارئ على أول خطوة واثقة في طريق القراءة واستعادة ثقته.
أما غياب النقد وتجاهل النقاد المتخصصين وتهميشهم في الواقع الثقافي فهذه كارثة¡ فلم يرتق الإبداع المصري إلا على يد رشاد رشدي¡ وإبراهيم حمادة ويحيى حقي¡ ولويس عوض وغيرهم ممن وضعوا يد القارئ على غلاف نص محكم¡ فكان حينها الكتاب أغلى ما يمتلك الفرد بل يتباهى أنه امتلكه!.
إن انتقال النقد من المفهوم الجمالي المعهود إلى كونه علماً من العلوم جعل المفاهيم النقدية العربية -وتعدد "أبستيمولوجيا"- النقد في حيرة¡ وذلك يرجع إلى تدفق العديد من النظريات وخصوصاً في النقد الحديث¡ ففريق يعتنق هذه النظريات الحديثة وفريق يقف ضدها كونها غريبة وشاذة عن القيم العربية ودياناتها ولغتها¡ وأيضا عاداتها وأغراضها¡ فالإبداع نطاقا من نظريات وأسس تكونت عبر التاريخ الإنساني نتيجة تطور المعارف الإنسانية والعلوم المختلفة¡ وكانت تساعد الناقد وتقدم له يد العون حتى يكون تقييم الناقد للعمل المسرحي والشعري تقييما¡ والروائي موضوعيا عادلا¡ قائماً على معيار نقدي لا دخل فيه للنزاعات الشخصية أو لمعارف الشخصنة تتأرجح بين نظريات عربية وغربية غير مستنبتة من تربة عربية تعمل على الإستئناس والأنس¡ مما جعلت الناقد العربي يقف بين القديم والحديث وبين النزاعات الفردية فى جو من الاغتراب¡ هذا الاغتراب يطال بدوره القارئ¡ ومن أوضح آثار ذلك عجز الناقد عن تحقيق وجوده الأصيل بوصفه ناقدا عربيا ينتمى إلى ثقافة مازال لها خصوصيتها التاريخية والحضارية¡ ولم تفتتها قيم ومعايير النظام العالمي الجديد¡ فحين قرأت كتاب "توماس فريدمان" العالم مسطح¡ ووجدت استبعاد العرب من خارطة كتابه في خارطة العالم الجديد¡ ربطت بيت المسطح الذي افترضه فريدمان وما ينتجه من امتداد لا نهاية له¡ والإحساس بهذا الامتداد ينتج الغربة والوحشة لا محالة¡ لأن كلما امتد النظر إلى ما لا نهاية كان هناك أفق مجهول والمجهول دائما مخيف¡ والخوف آلة مدمرة للحضارة وللنفسº وعلى النقيض حين نتخيل أن الكرة كروية كما عهدها أجادنا¡ لا ان الكرة "مستديرة" -بالطبع- وبالتالي يحدث التماس والتلاقي واختفاء الخوف والقلق لأن الأفق معلوم والكرة تحتوي من فيها في تماس معرفي واجتماعي وحضاري ونفسي. فكان العالم الجديد عالما موحشا ومخيف إذا ما صدق فريدمان لأن أفقه مظلم لا يتلاقى مع الآخر فالمستقيمات لا تتلاقى مهما يكن¡ وتلك هي نظرة فريدمان الطاردة¡ والتي تظهر في ظاهرها حاضنة. إلا أن المسطح لا يحتوي أطرافه¡ وقد افترضت أن النقد هو العامل المعرفي عدو الغربة¡ والأنس هو صانع الحضارات والتقدم في شتى المجالات¡ وبالتالي كان لزاما علينا البحث عن الأنس عبر خطاب مستأنس¡ وللنقد باعه الأول في هذا الشأن.
فإذا كان معنى النقد في اللغة العربية هو التميز بين جيد العملة "فضية أو ذهبية" وبين زائفها¡ فهذا يستلزم من الناقد الخبرة والفكر "المعيار النقدي على أسس معيارية" ثم الحكم¡ وهذا هو المعنى القريب من الأصل الاشتقاقي لكلمة نقد في اللغات الأوروبية¡ والنقد بالإضافة لكونه علما من العلوم الإنسانية إلا أنه أيضا "ملكة من ملكات الآذان" فالإنسان فطر على الحكم على ما يقع أمامه من الأشياء وتفضيلات الأطفال أحسن نموذج على ذلك¡ لكن هذا الحكم كثيرا ما يفتقد العلة والتبرير للتفضيلات وهو ما يمكن تسميته "النقد الساذج"¡ ولكي يعرف الإنسان السبب وراء تفضيلاته يجب أن تكون لديه الخبرة والمعرفة الأصيلة بقواعد وأسس اختيار الجيد من الردئ¡ وهذا ما يفتقده النقد في عالمنا الثقافي المعاصر¡ والمعرفة هي إحدى ركائز الناقد إن جاز التعبير¡ وإذا ولجنا إلى أغوار المعرفة -هذه الكلمة التي حيرت العلماء والباحثين عبر العصور- نجدها تأخذ مناحٍ عديدة فلسفية وعلمية تجعلها جوهرية تحمل في ثناياها خلاصة المجتمعات البشرية الآتية من عمق التاريخ في ديمومة بحثية لا تنتهي¡ ولذلك فالفلسفة تشغل حيزاً كبيرا من أدوات الناقد "فالمطابع مغازل والباحثون ديدان قز¡ فاحذر أن تتعقد حولك خيوط الحرير"¡ وهذه مشكلة من مشاكل النقد الحديث¡ فعندما نتحدث عن الناقد ودوره فى العملية الإبداعية¡ فإننا نتحدث عن عصب هام في مهمة المبدع وأثره على المتلقي¡ وبالتالي المجتمع حتى يصل الأمر إلى الفرد الواحد داخل البنية الاجتماعية¡ فالناقد هو تلك القناة التي يتم من خلالها فهم وتوصيل الرسالة¡ ثم صياغة الوجدان الجمعي في نهاية الأمر¡ حيث إن العمل الإبداعي رسالة من مرسل إلى متلقٍ¡ والناقد هو ذلك الوسيط الذي يتناول بالتحليل والتفسير لكي تصل الرسالة المنشودة وبالتالي رفض كل ما هو رديء في رسائل ثقافية تعمل على تشتيت الصورة الحقة أو تسئ لها¡ وفي ضوء ذلك الزخم من المدارس النقدية يقف الناقد إما معتنقا كما أسلفنا فيكون من أصحاب الفكر النخبوي المتعال على حساب المتلقي العادي¡ وإما متمسكا بتلابيب القديم المعهود فيوصم بالرجعية والجهل وقليل الخبرة. مما جعل النقاد يتنافسون في استصدار مصطلحات نقدية تحتاج إلى معاجم نقدية حذرا منهم أن يوصموا بتلك السمة¡ وتحت تأثير التقدم العلمي في حقل الفيزياء خاصة¡ أصبح النقد أبستمولوجيا في قرننا هذا¡ أي أنه أصبح خطابا حول أسس الخطاب العلمي نفسه كما مع الفرنسي "غاستون باشلار"¡ فيشهد زماننا الحالي هجوما مركزا على المسلمات التي كانت ترتكز عليها المعرفة كبراءة العلم وسلطة العقل ومركزيته¡ ويكفي أن نذكر في هذا المضمار عمل الألماني "يوجينى هاربر" والفرنسيين "ميشال فوكو " و "وجاك درايدا" و"هيليس ميلر¡ وبوب دي مان وجيفري هارتمن وهارولد بلوم ولويس جولدمان وبارت وغيرهم": إن العلوم الإنسانية من اقتصاد وألسنة وتحليل نفس قد زعزعت الثقة بالصرح الإنساني¡ ومن هنا كانت الصعوبة القصوى في الحديث عن أي نظريات -في والشعر والفن بصفة عامة والمسرح بصفة خاصة- تبدو الآن وكأنها فقدت البوصلة التي تستطيع أن ترشد إلى الاتجاه الذي تسير فيهº إذ تخلخلت الأسس التي تقوم عليها يقينية المعيار النقدي.
إضغط هنا لقراءة المزيد... (http://www.alriyadh.com/1591327)