المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طلاب ومعلمون.. على أبواب الطفرة الأولى!



المراسل الإخباري
10-08-2018, 22:11
http://www.qatarat.com/
هل نحن جيل محظوظ أم جيل مرتبك¿ كيف شهدنا خلال عقد واحد تحولات كبيرة في مسار الحياة¿ رأينا الكثير من التطورات والتغيرات التي طالت كل شيء من الاقتصاد إلى التعليم إلى المجتمع.. أي الحياة برمتها كانت تتغير بشكل متسارع..
لو قدر لباحث في مسار التعليم وتحولاته في بلادنا¡ فسيكون لزاماً عليه أن يقرأ تلك المراحل باعتبار كل منها يحمل مؤشراته الخاصة.
هل نحن جيل محظوظ أم جيل مرتبك¿ كيف شهدنا خلال عقد واحد تحولات كبيرة في مسار الحياة¿ وقد رأينا الكثير من التطورات والتغيرات التي طالت كل شيء من الاقتصاد إلى التعليم إلى المجتمع.. أي الحياة برمتها وبكل تفاصيلها¡ التي كانت تتغير بشكل متسارع قد لا يسمح حتى بالتقاط الأنفاس.
عوداً على التعليم وإرجاء لأفكار أخرى حول ذلك المسار السريع التغيير في مناحي أخرى من الحياة.. فإن التعليم بعد العام 1974 لم يعد كما هو التعليم قبله. كنا من الدفعة الأخيرة التي أعلنت الإذاعة السعودية أسماء الناجحين في الشهادة الابتدائية¡ عندما كانت تلك الشهادة تمثل نقلة حقيقة في عمر الطالب. لجان رسمية وأرقام سرية واختبارات تأتي من الوزارة بكامل المقررات. كانت عملية كبيرة تتطلب الانتقال خلال عشرة أيام أو أسبوعين لمدارس أخرى لإجراء الاختبارات النهائية التي تشرف عليها لجان خاصة¡ والتي لم تكن تخضع للرقم الساذج فيما بعد (75.8) لتمرير عملية نجاح سهلة.. ولم يكن هناك فصليان دراسيان كل منهما منفصل عن الآخر.. ولم يكن ثمة تساهل من أي نوع في تمرير إجابة طالب غير متمكن من المادة.
عندما انتقلنا للمرحلة المتوسطة¡ ولم يكن حينها بالدمام سوى متوسطتين على ما أذكر.. كانت الطفرة الأولى على الأبواب تقتحم الحياة على نحو مفاجئ.. فلم يسلم منها معلم ولا مدير مدرسة ولا حتى طالب يشهد انفصالااً حاداً بين عالمين.. عالم ما قبل وعالم ما بعد.
اختفى الانضباط الذي عرفته في مدرستي الابتدائية.. كل يوم أرى وجوه معلمين جدد.. معلم يرحل ويلحق به آخر بعد شهر.. وجوه طلاب قدموا من أحياء مختلفة من المدينة¡ منهم طبقة مختلفة عن مجتمعنا القديم.. تأتي بسيارات فارهة وتغادر بأخرى.. معلم متأفف وآخر يهرق المزيد من الوقت في أحاديث لا تعني شيئاً في مسار التعليم الذي عرفناه سابقاً.. بدأت تتساقط هيبة المعلم¡ وبدا أن ثمة طلاباً جدداً يملكون جرأة لا نملكها تجاه المعلم تحدياً ورفضاً.. لم تعد هناك ندوة أدبية أسبوعية.. كل شيء يمضي بسرعة وكأننا نسابق الريح!
تقلص عدد المعلمين السعوديين لدرجة كبيرة.. وزاد عدد المعلمين الوافدين.. كان هذا التطور يثير دهشتنا حينها¡ وإن كان لم يعد غريباً فيما بعد. لم تنعقد في تلك المرحلة علاقات أعمق بين معلم وطالب.. وإن كانت المرحلة لم تخلُ من معلمين ما زالت الذاكرة تستعيدهم باعتبارهم من ملامح مرحلة¡ وليس بالضرورة لحجم التأثير أو الاعتناق.
أثار دهشتي يوماً وأنا عائد من المدرسة مشهد أحد معلمي مرحلتي الابتدائية وهو يقود سيارة أجرة. كان يتوقف لحمل الركاب بسيارة أجرة صغيرة صفراء اللون.. وكان اللون الأصفر حينذاك خاصاً بسيارات الأجرة في تنظيم مرور الطفرة. أخذت تختفي تلك السيارات الأميركية الكبيرة ذات الدمغة الدائرية الحمراء التي تعمل كالسرفيس في بعض البلاد العربية¡ وهي تتحرك في خطوط ثابتة وتحمل ركابها بربع ريال ثم نصف ريال لمواقف محددة وسط المدينة.. حلت محلها سيارات يابانية صغيرة صفراء اللون تعمل بالمشاوير الخاصة. من يلوم معلم مرحلة ابتدائية راتبه في حدود الألف ريال حينذاك¡ أن يعمل على سيارة أجرة وهو يرى المال يتدفق وينهمر من كل حدب وصوب¿!
في مدرسة المرحلة المتوسطة بدأ غياب المعلمين المتكرر يبدو ظاهرة.. أما بعد الحصص الدراسية فلا تكاد ترى أحداً منهم.. كان ثمة أعمال أخرى يولونها أهمية أكبر في مرحلة بدأت الأعمال التجارية تزدهر وبدا الوضع متعطشاً لأي نشاط.
أما الطلاب فما زلت أذكر زميلاً يعمل والده في المقاولات التي ازدهرت حينها على نحو غير مسبوق مع أشغال الطفرة.. كان طالباً واعداً إلا أن مكاسب المقاولات الكبيرة صرفته مبكراً من المدرسة.. ومثله كثير في تلك المرحلة.
كانت مرحلة جديدة¡ حملت مكاسب حقيقية للمجتمع¡ ولكنها أيضاً خصمت من تقاليد وعلاقات وقيم ومنها ما طال التعليم حينذاك من تسيب¡ ولولا التأسيس الجيد لجملة طلاب تلك المرحلة في دراستهم الابتدائية لربما كانت الأمور أكثر سوءاً.
وحتماً لم تخلُ أجواء التعليم من نماذج ما زالت في الذاكرة إلى اليوم.. فمن يقوى على نسيان شخصية المعلم الشيخ محمد الهليل (أبو هليل) الذي كان يعلمنا مادة التوحيد على طريقة الدراسة القديمة التقليدية التي كانت شائعة في المساجد وحلقات دروسها. خلال ثلاث سنوات من دراستي لم يكتب أبو هليل كلمة واحدة على اللوح.. كان يكتفي بأن يدع أحد الطلاب يقرأ¡ وهو يعلق ويستشهد وينتهي الدرس على هذا النحو في جو يسوده الخمول.. ولا أنسى أن جدلنا المفضل معه كان حول دوران الأرض والوصول إلى القمر.. وكانت رحلة المركبة الفضائية «أبولو» التي وصلت للقمر وتجول روادها على سطحه قريبة عهد بنا حينذاك.. إلا أن الشيخ «الهليل» لم يكن ليصدق بهذا وظل يحاول بطريقته أن ينفي هذا التقدم بل يراه هرطقة وكذبة كبرى.
كانت تلك مرحلة مرتبكة ومتسارعة الخطى ليس على تلميذ فاجأه التغيير في سلم قيم التعليم وأولوياته.. مما جعل عبوره أكثر سهولة وأقل عناء.. إلا أنه استعاد نفسه سريعاً لأن ثمة تأسيساً أعمق من أن تهزه أو تؤثر في مساره مرحلة.




http://www.alriyadh.com/1709500]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]