المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجاحظ يموت بيننا



المراسل الإخباري
05-07-2019, 18:49
http://www.qatarat.com/ وكلنا نعرف كيف وجد الجاحظ ميتاً تحت مجلداته ومخطوطاته¡ التي سقطت عليه من فوق رفوف مكتبته¡ سنة 868م¡ وكان حينها شيخاً تعدى التسعين من عمره¡ يعاني من الفالج (الشلل النصفي).
وبما أن الشيء بالشيء يذكر فقد كان أحد الزملاء يستعرض علينا ما تحتويه مكتبته العامرة من الشهادات¡ والدروع¡ المصقولة من المعادن والزجاج والبلاستيك واللدائن¡ والتي نالها في مساره الإعلامي.
داعبته أن قارنت بين مكتبته ومكتبة الجاحظ¡ وذكرته بخطورتها لو اهتزت أرففها¡ ووقعت على جمجمة من ينثني تحتها عشقاً.
والحكاية ببساطة أننا نشهد الحرص الشديد من بعض العاملين في عدة مجالات¡ ومن قليلي الأهمية¡ وهم يحرصون كل الحرص على اقتناء مثل هذه الشهادات والدروع¡ وبعضهم يدفع من جيبه¡ ومن كرامته مرات¡ حتى يتم تقديمها له¡ بحضور وإبداع وأهمية حقيقية¡ أو بالوهم والحضور من على البعد!
شهادات ودروع حكومية¡ وأخرى خاصة¡ والبعض من جماعته الأقربين¡ أو من أسرته الصغرى.
وتجول العين¡ بين تلك الشهادات والدروع¡ فلا تكاد تجد عند البعض منهم سبباً لاستحقاقها¡ أكثر من كونه المتسبب أو الشحاذ.
وأكاد أجزم¡ بأن ثمن ما يصرف في دولنا العربية على صناعة واستيراد مثل هذه الشهادات والدروع يوازي ميزانيات دول.
حتى الطفل لا يكاد يعبر سنواته الابتدائية¡ حتى يكون في مكتبته عدد من تلك الدروع¡ والشهادات¡ والتي لا تثبت حقيقة التميز¡ ولو أن المدارس تتعلل بتحفيزها المتأمل.
في المدارس كم أتمنى أن يقوم الطفل بذاته بصنع بيده شهادته عن استحقاق¡ ليتعلم¡ ويحسن¡ ويستخدم عقله وتميزه وتخطيطه¡ في اختيار موادها الأولية بنفسه¡ لتصبح ذكرى صادقة¡ لا تحمل علامة صنع في الصين.
في الوزارات والهيئات الحكومية¡ نتمنى أن يتم تقنين أعداد تلك الشهادات¡ حتى تصبح لها إذا أعطيت قيمة ملموسة¡ بإدراك الهدف منها.
في المجال الإعلامي¡ والعلاقات العامة¡ يستحسن تبجيل من يحسن بكلمة حق¡ ودون الإكثار من تلك الدروع¡ التي لا تفيد في حرب ولا سلم.
في العلاقات الأسرية والاجتماعية¡ نتمنى أن نقلل من التعظيم¡ والمهايطة¡ خصوصاً عمن يعرف عنه بأنه هو من يدفع ثمن الاحتفالات¡ وما يهدى إليه من دروع وسيوف¡ مرة بادعاء قيامه بعمل إنساني¡ ومرة بمناسبة ترقيته¡ ومرة لأنه فزع لأحدهم¡ ومرة بأنه تقاعد.
المسؤولون الكبار يقومون بواجباتهم في افتتاح الفعاليات والمشروعات¡ ومن المعيب والمنهك أن يحملوا بأحمال المجاملات الغثة¡ من ميزانية العمل.
مكتبات البعض الخاصة تتضخم في منازلهم¡ وكلنا ندرك كيف سيكون مصيرها بعد رحيلهم¡ وهي مواد ضارة للبيئة لا يمكن الاستفادة منها أو إعادة تدويرها¡ والخوف كل الخوف أن تسقط يوماً من فوق الرفوف البراقة¡ على عنق صاحبها¡ وعندها قد نتذكر رحيله¡ ولكنا سرعان ما ننسى محتويات مكتبته¡ لأنها لن تفيد البشرية¡ كما فعلت مجلدات الجاحظ.




http://www.alriyadh.com/1754307]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]