تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : إرساء قيم التعايش وتحقيق السلم



المراسل الإخباري
06-08-2019, 23:39
http://www.qatarat.com/
وثيقة مكة هي أشمل وأوضح ما كُتب عن التعايش والسلام العالمي ودور الأديان في ذلك¡ وقد كُتبت بفكر خارج النسق¡ وشجاعة نادرة تحتمها أوضاع المنطقة والعالم¡ ويدعمها الإصلاح الكبير الذي تعيشه المملكة وقيادتها الشجاعة لكل ما فيه مصلحة الوطن والسلام العالمي..
ليست وثيقة فقط¡ لكنها صرخة في وجه التحزب وإذكاء العدوات على أسس دينية أو مذهبية.. إنها دعوة صادقة إلى العالم أجمعº لجعل الدين عامل تعايش وسلام وأمن¡ ومناخ حرية وعدل ومساواة¡ ومكافحة تطرف وغلو وإرهاب¡ تغييرات جذرية ومراجعة شاملة لعلاقة المسلم مع الآخر المختلف¡ مستمداً هذه المراجعة وهذا الفكر من علماء متنورين¡ تفيئوا ظلال الكعبة¡ وفي العشر الأواخر من رمضان لهذا العام 1440º ليصدروا "وثيقة مكة المكرمة" مستهدين ومستشهدين بـ"وثيقة المدينة المنورة"¡ التي عقدها النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة قبل أربعة عشر قرناً مع مختلف الأعراق والأديان في ذلك الوقت.
ووثيقة مكة المكرمة التي صدرت قبل أيام من مكة المكرمة تنظر إلى الحاضر بعين العقل¡ وتستشرف المستقبل¡ وتبحث عن مصلحة البشرية جمعاء والمسلمين خصوصا¡ وتعطي الأقليات المسلمة التي تعيش خارج العالم الإسلامي الأمل لتمارس حياتها¡ وتربي أبناءها¡ وتبرز قدراتها¡ وتصبح فاعلة على مستوى الأوطان التي تعيش فيها¡ و"وثيقة مكة المكرمة" تبرئ الدين مما لحقه من أفكار تدميرية وتنافر بين الأديان وبين المذاهب داخل الدين الواحد.
والجميل في هذه الوثيقة أنها أصَّلت لكل بند من بنودها التسعة والعشرين بآية من القرآن الكريم¡ أو بحديث صح عن النبي صلى الله عليه وسلم¡ وهي بهذا تقطع الطريق على من يحاول أن يجعل من الدين سلاحاً ضد المختلف¡ أو دليلاً للانتقام منه¡ أو التضييق عليه أو التشكيك في ولائه ووطنيته¡ ففي البند الأول تشير إلى أن البشر على مختلف مكوناتهم ينتمون إلى أصل واحد¡ وهم متساوون في إنسانيتهم¡ ثم استشهد بآيتين من القرآن الكريم من كل من سورة النساء وسورة الإسراء¡ ثم توالت المبادئ التي قامت عليها الوثيقة¡ ومنها رفض العبارات والشعارات العنصرية¡ والتنديد بدعاوى الاستعلاء البغيضة¡ التي تزينها أوهام التفضيل المصطنعة¡ فأكرم الناس أتقاهم¡ وأنفعهم أكثرهم نفعاً للإنسانية¡ كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس أنفعهم للناس".
ومن أهم مبادئ الوثيقة قبول الاختلاف بين الأمم في معتقداتهم وطبائعهم وطرائق تفكيرهم¡ وأنه قدر إلهي قضت به حكمة الله البالغة¡ وأنه سنّة كونية يجب التعامل معها بمنطق العقل والحكمة بما يحقق التعايش والسلام العالمي¡ وهو خير من المكابرة والمصادمة والدعاء على المختلف¡ وكما هو في قوله تعالى: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين"¡ وأن التنوع الديني والثقافي لا يبرر الصراع والصدام¡ بل هو شراكة حضارية إيجابية تجعل من التنوع جسراً للحوار والتفاهم والتعاون لما فيه خير الإنسانية¡ وتحفز التنافس على بناء دولة المواطنة الشاملة المبنية على قيم العدل والمساواة¡ والحريات المشروعة¡ وتبادل الاحترام¡ ومحبة الخير للجميع.
وتؤكد الوثيقة أن الحوار الحضاري هو أفضل السبل للتفاهم مع الآخر¡ والتعرف على القواسم المشتركة¡ وحق كل إنسان في الوجود والعيش الكريم¡ وتجاوز العداوات التي يمتلئ بها تاريخ البشرية¡ التي صعدت من مجازفات الكراهية¡ ونظرية المؤامرة¡ والتعميم الخاطئ¡ وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى¡ وتلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم.
والوثيقة مليئة بالمبادئ السامية¡ التي يجدر بالمسلمين أن يأخذوا بها إن أرادوا التعايش والانطلاق نحو آفاق أوسع من التعاون¡ ومنها احترام البيئة وعدم تدميرها¡ ومكافحة أسباب الحروب والصراعات والإرهاب بكل أشكاله¡ وضمان حقوق المرأة وتمكينها¡ وعدم الاستطالة عليها أو تهميشها أو امتهان كرامتها¡ أو إعاقة فرصها في الشؤون الدينية والاجتماعية والسياسية والعلمية وغيرها.
ولم تغفل الوثيقة حقوق الطفل مستقبل الأمة وأملها في النهضة¡ فطالبت بالعناية به صحياً وتربوياً وتعليمياً¡ وأن يكون ذلك من أولويات الدول والمؤسسات الأممية¡ فضلاً عن مسؤولية الأسر¡ خاصة تنمية فكره بما يوسع آفاقه¡ ويعزز قدراته¡ ويمكن إبداعه وتواصله وتحصينه من الانحراف.
هذه الوثيقة أشمل وأوضح ما كُتب عن التعايش والسلام العالمي¡ ودور الأديان في ذلك¡ وقد كُتبت بفكر خارج النسق¡ وشجاعة نادرة تحتمها أوضاع المنطقة والعالم¡ ويدعمها الإصلاح الكبير الذي تعيشه المملكة وقيادتها الشجاعة¡ لكل ما فيه مصلحة الوطن والسلام العالمي¡ بحكم مركزها القيادي في العالمين العربي والإسلامي وعلى مستوى العالم.
هذه الوثيقة لن أوفيها حقها في مقال¡ لكن حقها التطبيق في مناهج التعليم والثقافة الإسلامية والتربية الدينية¡ ويجب أن تنعكس على خطب الجمعة¡ وأن تكون بداية لتصحيح مفاهيم كثيرة مغلوطة¡ أشعلت التطرف¡ وغذّت الإرهاب بكل أنواعه وجنسياته.




http://www.alriyadh.com/1759671]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]